تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعندما بنى الخليفة المستنصر بالله العباسي مسجد القمرية بالجانب الغربي من بغداد حمل إليه كتباً كثيرة وجعل لها مشرفين وقيمين من العلماء المشهود لهم بالفضل والصلاح. والمستنصر هو مؤسس المدرسة المستنصرية التي مازال بناؤها قائماً حتى اليوم في بغداد وكان خازن الكتب فيها هو عبد العزيز بن دلف وكان قبل ذلك خازناً لكتب مسجد الشريف الزيدي.

وأورد ابن النديم في كتابه الأنصاف والتحري أن خزانة الكتب بجامع حلب قد نهبت في فتنة حدثت في المدينة فأمر الوزير أبو النجم هبة الله بن يديع بتجديدها ووقف غيرة كتباً أخرى.

وعرفت مكتبات خاصة كثيرة مثل مكتبة خالد بن يزيد بن معاوية، والكندي الفيلسوف العربي المشهور، وكانت هذه المكتبات شبه عامة، وأبناء موسى بن شاكر الذين كانوا علماء في الفلك والفيزياء، وابن العميد وزير البويهيين، وقد حوت مكتبته كل أنواع المعارف والآداب، وقدر عددها بحمل مائة جمل، وحين أغار السامانيون على الري مدينة ابن العميد، وكان يوصف كما في كتاب تجارب الأمم لابن مسكويه نهبوا كل محتويات قصره ولكنهم تركوا الكتب فلما عاد إلى داره ووجد الكتب ساعة فرح كثيراً كل الخزائن تعوض إلا الكتب لا عوض عنها.

وكان تلميذ ابن العميد إسماعيل بن عباد أكثر حباً بالكتب، وقدرت مكتبته بحمل أربعمائة جمل، وكان يعمل معه عدد كبير من العلماء والباحثين، مثل جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع الذي ألف بناءً على طلبه كتاب الكافي في الطب، وأحمد بن فارس اللغوي الذي ألف كتاب الصاحبي، وذكر ياقوت قولا لابن عباد أن في مكتبته مائتين وستة آلاف مجلد، ثم وقف هذه المكتبة بعد وفاته لمدينة الري، وزارها بعد ذلك البيهقي وقال إن فهرسها يقع في عشر مجلدات.

وقال ول ديورانت في "قصة الحضارة" إن كتب ابن عباد وكانت تفوق ما في دور الكتب الأوروبية مجتمعة. وقال ياقوت إن الواقدي عندما تحول من الجانب الغربي من بغداد نقل كتبه على مائة وعشرين جملاً، والواقدي مؤلف كتاب المغازي (ت سنة 207هـ) قال: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وأنا حفظي اكثر من كتبي.

وأسس جعفر الموصلي المعروف بابن حمدان مكتبة في مدينة الموصل كانت مفتوحة الأبواب لجميع الناس، وكانت توزع الورق وأدوات النسخ والتعلم على رواد المكتبة. وبلغت الأندلس منزلة متقدمة في العلم والحضارة، وقد كان في قرطبة 1600 مسجد، 600 حمام، ومائتا ألف دار، وثمانون ألف قصر، وفي ضواحيها ثلاثة آلاف قرية في كل واحدة منبر وفقيه، وقدر سكان المدينة بمليوني نسمة، وكان بالربض الشرقي منها مائة وسبعون امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، وكان أغلب الناس كما ذكر المؤرخ الأوروبي دوزي يعرفون القراءة والكتابة.

وكان في الأندلس مكتبات خاصة كثيرة عامرة، مثل مكتبة القاضي أبو مطرف عبد الرحمن بن عيسى، ومكتبات الخلفاء، والوزراء والأعيان مثل ابن حزم، وابن رشد، واشتهرت قرطبة بحب الكتب كما اشتهرت اشبيلية بالغناء، وكان يقال إذا مات عالم بإشبيلية حملت كتبه إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإذا مات مطرب بقرطبة حملت آلاته إلى إشبيلية حتى تباع فيها.

ومن طُرَف جمع الكتب في الأندلس ما يذكره التلمساني في نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب أن الناس كانوا يجتهدون في شراء الكتب وجمعها وهم لا يعرفون عنها شيئاً سوى أنها من وسائل التباهي والتفاخر، فيذكر الحضرمي أنه لازم سوق الكتب يترقب كتاباً فوجده بخط فصيح وتفسير مليح، ففرح به وجعل يزيد في ثمنه ويزيد غيره، فطلب من يزيد عليه فرآه شخصاً عليه لباس رئاسة، فقال له: أعز الله سيدنا الفقيه إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك فقد بلغت الزيادة بيننا فوق حده، فقال له: لست بفقيه ولا أدري ما فيه، ولكن أقمت خزانة كتب واحتفلت فيها لأتجمل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيته حسن الخط جيد التجليد استحسنته ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم من الرزق فهو كثير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير