قال صاحب مختصر المتيطية الإمام ابن هارون الكناني منوّها بأهمية هذا العلم وضرورته "علم القضاء والأحكام وما يتعلق بفقه الوثائق وفصول الخصام من أجل العلوم قدرا وأشرفها خطرا، إذ به تستخرج حقوق الأنام وبه يستنصر القضاة والحكام، ومن جهله منهم فهو غريق في بحر الذنوب والأثام" ([15] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn15)).
وقال صاحب المنهج الفائق "فإني لما رأيت علم الوثائق من أجل ما سطر في قرطاس وأنفس ما وزن في قسطاس وأشرف ما به الأموال والأعراض والدماء والفروج تستباح وتحمى، وأكبر زكاة للأعمال وأقرب رحما، وأقطع ما به تنبذ دعاوى الفجور وترمى وتطمس مسالكها الذميمة وتعمى" ([16] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn16)).
وقال ابن فرحون موضحا الأهمية التي اكتسبها هذا العلم والشرف الذي ناله "فهي صناعة جليلة شريفة،وبضاعة عالية منيفة، تحتوي على ضبط أمور النّاس على القوانين الشرعية،وحفظ دماء المسلمين وأموالهم، والإطلاع على أسرارهم وأحوالهم، ومجالسة الملوك والاطلاع على أمورهم وعيالهم،وبغير هذه الصناعة لا ينال أحد ذلك ولا يسلك هذه المسالك" ([17] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn17)).
أمّا ابن مغيث فقد نوّه به كثيرا حيث قال "علم الوثائق علم شريف يلجأ إليه الملوك والفقهاء وأهل الحرف والسوقة والسواد كلهم يمشون إليه، ويتحاكمون بين يديه ويرضون بقوله ويرجعون إلى فعله، فينزل كل طبقة منهم على مرتبتها ولا يخل بها عن منزلها" ([18] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn18))
ويعرف هذا العلم بأنه الذي " يضبط أنواع المعاملات والتصرفات بين شخصين أو أكثر على وجه يضمن تحقيق الآثار المترتبة عليها، ويكسبها قوة الإثبات عند التقاضي" ([19] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn19))
فقد حاول هذا التعريف أن يجمع أهم العناصر التي يقوم عليها علم التوثيق، فقد انبنى على العناصر الأتية:
· ضبط كلّ أنواع المعاملات والتصرفات بما يضمن حفظها ومنع التصرف فيها.
· التفصيل في الوثيقة بحيث لا يترك مجالا للتشكيك فيها أو التلاعب بها.
· أن يكون شكل الوثيقة معتبرا في إثبات مضمونها عند القاضي أو من يهمه الأمر.
وكانت التأليفات في هذا العلم في بداية الأمر بسيطة لا تتعدى التعريف به والإشارة إلى طرق كتابته وبعض النماذج عنه، لكن سرعان ما تطورت الكتابة فيه وأخذت أشكالا متنوعة وصلت إلى كتب ضخمة بل إلى أسفار كما هو الشأن بالنسبة لأبي عمر أحمد عبد القادر الاشبيلي الذي ألف كتابا في الوثائق وعللها سماه المحتوى يقع في خمسة عشر مجلدا.
ولكنّ النهضة الحقيقية لهذا الفن بدأت في الأندلس مع بداية القرن الثالث الهجري حيث نبغ فيها فقهاء أجلاّء خدموه وأدخلوا عليه تغييرات جوهرية اقتضتها عوامل كثرة المعاملات المدنية والتجارية ([20] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn20))، فألّفوا فيه مؤلفات متعددة الأشكال مختلفة الأحجام ما بين مطوّل ومختصر، وشارح أو مختصر له ([21] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn21)).
وارتبطت الوثائق بأسماء فقهاء كبار أبدعوا فيها أيّما إبداع وفصّلوا فيها بحيث لم يتركوا شاردة ولا واردة مما ينبغي أن يقيد في العقود إلاّ وضحوه وبيّنوه.
ومن أهم هؤلاء أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد القرطبي المعروف بابن العطار صاحب الوثائق والسجلات قال عنه صاحب الديباج "كان عارفا بالشروط وأملى فيها كتابا عليه عوّل أهل زماننا اليوم" ([22] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn22)).
وعمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي صاحب كتاب الشروط، ذكره القاضي عياض في ترتيبه قال" وله فيها كتاب مفيد جامع محتو على علم كثير وفقه جم، وعليه اعتماد الحكام والمفتين وأهل الشروط بالأندلس والمغرب إذ سلك فيها الطريق الواضح" ([23] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn23))
وأبوعبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن الباجي صاحب كتاب السجلات قال عنه صاحب الشجرة "كان بصيرا بالعقود متقدما في الوثائق، ألّف فيها كتابا حسنا وكتابا مستوعبا في سجّلات القضاة" ([24] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn24))
¥