ب - هب أن الشك لم يزل بذلك فإن للحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة يقوي حديث جابر كما جزم بذلك الحافظ ابن حجر وغيره وقد ساق الشواهد المشار إليها في " التلخيص " وكذلك ساقهما الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 12 - 15) وابن كثير كما في " الجوهر النقي " (5/ 28) ولا يتحمل هذا التعليق ذكر تلك الشواهد فليراجعها من شاء في بعض المصادر المذكورة ولكن لا بد هنا من ذكر شاهد واحد فات أولئك المخرجين جميعا وهو ما أخرجه الطحاوي (1/ 360) وأبو نعيم في " الحلية " (4/ 94) بسند صحيح عن ابن عمر أنه قال عقب حديثه المشار إليه في المواقيت: " وحدثني أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق " وقال أبو نعيم:
" هذا حديث صحيح ثابت ".
قلت: ففي هذا رد على من ضعف الحديث مطلقا وعلى من قواه لمجموع طرقه لا لذاته ولا ينافي صحة الحديث ما في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب هو الذي وقت ذات عرق لأهل العراق لإمكان أن يكون ذلك من جملة الموافقات التي وافق عمر الشرع فيها.
وأما الجواب عن إعلاله وهو أن العراق لم تكن فتحت يومئذ فهو:
أن ذلك صدر منه صلى الله عليه وسلم وصدر التعليم لأمة الإسلام إلى يوم القيامة فليس من الضروري أن تكون قد فتحت يومئذ فهي في هذا كبلاد الشام سواء فلم تكن قد فتحت أيضا كما هو معلوم ولذلك قال الحافظ ابن عبر البر:
" هذه غفلة من قائل هذا القول لأنه عليه السلام هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق كما وقت لأهل الشام الجحفة والشام يومئذ دار كفر كالعراق فوقت المواقيت لأهل النواحي لأنه علم أن الله سيفتح على أمته الشام والعراق وغيرهما ولم يفتح الشام والعراق إلا على عهد عمر بلا خلاف وقد قال عليه السلام: " منعت العراق درهما وقفيزها. الحديث معناه عند أهل العلم ستمتنع ".
نقله ابن التركماني في " الجوهر " (5/ 28 - 29) ووقع فيه " ودرهمها " بدل " وقفيزها " وصححته من " صحيح مسلم " (8/ 175).
يلملم) (7): نخ مج شا طي هق حم]
______
(7) مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا.
5 - [قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم: د ت مج هق حم] [لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع: ن جا هق]. (8)
6 - [وساق هديا: ن] (9).
______
(8) وذلك بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه ولم ينه عن شيء من الأزر والأردية تلبس إلا المزعفر. كما قال ابن عباس عند البخاري. والمزعفر هو المصبوغ باللون الأصفر كالزعفران.
ففيه أعني حديث ابن عباس مشروعية لبس ثياب الإحرام قبل الميقات خلافا لما يظنه كثير من الناس وهذا بخلاف نية الإحرام فإنها لا تجوز على الراجح عندنا إلا عند الميقات أو قريبا منه لمن كان في الطائرة وخشي أن تتجاوز به الميقات ولما يحرم.
واعلم أنه لا يشرع التلفظ بالنية لا في الإحرام ولا في غيره من العبادات كالطهارة والصلاة والصيام وغيرها وإنما النية بالقلب فقط وأما التلفظ بها فبدعة " وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في الإحرام إنما هو قوله: " لبيك اللهم عورة وحجا " فيتوقف عند هذا ولا يزاد عليه كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في " النية " (ص 244 - 245 من مجموعة الرسائل الكبرى الجزء الأول) وله كلام في هذه المسألة ذكره في " منسكه " (2/ 359) قد يخالف ظاهره ما ذكرنا فلا يلتفت إليه فعليك أن تعرف الحق بدليله لا بقائله لا سيما إذا كان له قولان في المسألة.
(9) أي من ذي الحليفة كما في " الصحيحين " من حديث ابن عمر وقال الحافظ ابن حجر في شرحه:
" وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس ".
كذا قال وفيه نظر لأن سوق الهدي مما لم يستقر عليه هديه صلى الله عليه وسلم بل ندب عليه كما في الفقرة الآتية (41): " ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا ".
فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم دل على أمرين هامين:
أولا: على أن التمتع بالعمرة إلى الحج بالتحلل بينهما أفضل من سوق الهدي مع القران لأنه صلى الله عليه وسلم تأسف إذ لم يفعل ذلك ولا يمكن أن يكون إلا على ما هو الأفضل ظاهر فالأفضل إذن ترك سوق الهدي.
¥