تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، ثم الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه ومن سار على دربه إلى يوم الدين ..

ثم أما بعد ...

فمن الأمور التي زلت فيها الأفهام، وأخطأت فيها التعاملات، قديما وحديثا؛ هي مسألة التصوف، وتعامل معها الناس إما بولاء تام وتبرير غير علمي، وإما بنبذ واتهام وشطط بعيد عن منهج السلف الصالح، رضوان الله عليهم، وقليل من أنصف وعدل وأقام الميزان الحق في هذا الأمر.

• منذ بداية عصر النبوة وقضية الأسماء والمسميات تصاحب حركة التاريخ الإسلامي؛ للتمييز بين الطوائف بعضها عن بعض، وبين مراتب الرجال وسبقهم وعطاءهم، وكان القرآن الكريم يستخدم الأسماء والأوصاف للغرض نفسه؛ ففرق القرآن بهذه التسميات بين المهاجرين والأنصار، وبين من هاجر من قبل الفتح وقاتل ومن هاجر بعد الفتح .. وتتابع الأمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد في خطابه عليه الصلاة والسلام هذا الأمر، ولعل مثالا واحد يكفي؛ ففي قوله عليه الصلاة والسلام: (لعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) " 1 " دليل واضح. ثم تتابع ذلك على مدار التاريخ الإسلامي وحتى أيامنا هذه!، فنجد اليوم جماعات إسلامية ومؤسسات عاملة لهذا الدين تجعل لنفسها اسما، لنفس الغرض، وما نحن بصدده من مصطلح " الصوفية أو التصوف " إن هو إلا أنموذج من هذه التسميات، والذي ظهر في القرون الثلاثة الأولى، المشهود لها بالخيرية!.

يقول أبو القاسم القشيري ـ وهم من أعلام التصوف ـ: (اعلموا ـ رحمكم الله تعالى ـ أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية عَلم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم الصحابة، ولما أدركهم أهل العصر الثاني تسمى من صحب الصحابة بالتابعين، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين الزهاد والعبّاد، ثم ظهرت البدع، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادا، فأنفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف، واشتهر الاسم لهولاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة.) " 2 ".

وبغض النظر عما يحمله كلام القشيري من تزكية ابتداء للصوفية، إلا أن المقصود من نقل كلامه هو طبيعة خروج التسميات بشكل عام، وليس الحكم على التصوف، وندرك أيضا أن قضية الأسماء والمسميات تحكمها ظروف وملابسات حتى يضع أهل ذلك العلم لأنفسهم تسمية تميزهم عن باقي الطوائف والمذاهب.

لكن مصطلح التصوف غدا اليوم من الألفاظ المجملة التي تضم صوابا وخطأ، وحقا وباطلا، لذلك وجب التفصيل قبل التسرع وإصدار الأحكام، فيمدح إذا أريد به صوابا وحقا، ويذم إذا أريد به خطأ وباطلا.

والميزان في كلا الحالتين هو كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ) النساء: 59. ويقول سبحانه: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) هود: 85. ويقول عز من قائل: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء: 58.

" لكن عندما ينشب الخلاف، وتثور العداوات يصبح كثير من الناس عاجزاً عن الإبصار بعينين؛ فهو لا يرى إلا المثالب والمساوئ، وحين تهب رياح المودة فإن كثيرين أيضا لا يبصرون إلا بعين الرضا، ومن هنا جاءت دعوة شعيب عليه الصلاة والسلام واضحة صريحة للخلاص من هذه النقيصة، حين نصح قومه {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ} ". " 3 "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير