ورد فى ((لسان العرب)) (12/ 117) للعلامة ابن منظور: ((الحَجْمُ: المصُّ؛ يقال: حَجَمَ الصبيُّ ثَدي أُمه: إذا مصه. وما حَجَمَ الصبيُّ ثدي أُمه: أي ما مَصَّه. وَثَدْيٌ مَحْجوم: أَي مَمْصوص. والحَجَّامُ: المَصَّاص. قال الأزهري: يقال للحاجم حَجَّامٌ؛ لامْتِصاصه فم المِحْجَمَة، وقد حَجَمَ يَحْجِمُ ويَحْجُم حَجْماً، وحاجِمٌ حَجُومٌ، ومِحْجَمٌ رَفيقٌ.
والمِحْجَمُ والمِحْجَمَةُ: ما يُحْجَم به. قال الأزهري: المِحْجَمَةُ قارُورَتُهُ، وتطرح الهاء، فيقال: مِحْجَم، وجمعه مَحَاجِمِ. قال زهير:
ولم يُهَريقُوا بينهم مِلْءَ مِحْجَمِ
وفي الحديث: ((أَعْلَقَ فيه مِحْجَماً)). قال ابن الأثير: المِحْجَمُ ـ بالكسر ـ الآلة التي يجمع فيها دم الحِجامة عند المصّ. قال: والمِحْجَمُ أَيضاً مِشْرَطُ الحَجَّام. ومنه الحديث ((لَعْقَةُ عَسلٍ أو شَرْطةُ مِحْجَمٍ)). وحِرفَتُه وفعلُه الحِجامةُ. والحَجْمُ: فعل الحاجم وهو الحَجَّامُ. واحْتَجَمَ: طلب الحِجامة، وهو مَحْجُومٌ، وقد احْتَجَمْتُ من الدم. وفي حديث الصوم ((أَفْطَرَ الحاجمُ والمَحْجومُ))، قال ابن الأثير: معناه: أنهما تَعَرَّضا للإِفْطار، أَما المَحْجومُ، فللضعف الذي يلحقه من خروج دمه، فربما أَعجزه عن الصوم، وأَما الحاجِمُ فلا يَأْمَنُ أَن يصل إلى حلقه شيء من الدم فيبلعَهُ أَو من طَعْمِه، قال: وقيل هذا على سبيل الدعاء عليهما أَي بطل أَجْرُهما، فكأنهما صارا مفطرين، كقوله ((من صام الدَّهْرَ فلا صامَ ولا أَفطرَ)).
والمَحْجَمَة من العنق: موضع المِحْجمةِ. وأَصل الحَجْم المصّ، وقولهم: أَفْرَغُ من حَجَّام ساباطَ، لأنه كان تَمُرُّ به الجيوش فَيَحْجُمهم نَسيئةً من الكساد حتى يرجعوا فضربوا به المَثَل.
قال ابن دريد: الحِجامةُ من الحَجْمِ الذي هو البَداءُ لأن اللحم يَنْتَبِرُ أَي يرتفع)) اهـ
ومما دلَّ على معرفة أهل الجاهلية من العرب بالحجامة؛ ورودها على ألسنة شعرائها. قال زهير بن أبى سلمى فى معلقته الشهيرة، يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف:
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ
وقد قلتما إن نُدرك السلمَ واسعاً بمالٍ ومعروفٍ من القولِ نسلمِ
فأصبحتما منها على خير موطنِ بعيدين فيها من عقوقٍ ومأثمِ
عظيمين فى عليا معدٍ هديتما ومن يستبح كنزاً من المجد يعظمِ
تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ينجمها فيها من ليس بمجرمِ
ينجمها قوم لقومٍ غرامةً ولم يهريقوا بينهم ملءَ محجمِ
ومن شعر المحدثين، قول بشار بن برد يهجو قوماً:
بلوت بني زيد فما في كبارهم حلوم ولا في الأصغرين مطهَّرُ
فأبلغ بني زيد وقل لسراتهم وإن لم يكن فيهم سراة توقرُ
لأمِّكم الويلاتُ إن قصائدي صواعقُ منها منجد ومغوِّرُ
يريدون مسعاتي ودون لقائها قناديلُ أبوابِ السمواتِ تزهرُ
فقل في بني زيد كما قال معربٌ قوارير حجَّامٍ غداً تتكسَّرُ
وفى ((جمهرة الأمثال)) (2/ 107/1346): ((أفرغ من حجَّام ساباط: قالوا: كان حجاما ملازما لساباط المدائن، يحجم الجندي نسيئةً بدانق واحد إلى وقت قفولهم، وربما تمر به الأيام لا يدنو منه أحد فيها، فتخرج أمُّه فيحجمها، ليرى الناس أنه غير فارغ، فما زال ذلك دأبه حتى أنزف دم أمَّه، فماتت فجأة، فسار مثلا. قال شاعر محدث:
دارُ أبي القاسم مفروشةٌ ما شئت من بُسُطٍ وأنماطِ
وبُعْدُ ما يأتيك من خيرِه كبُعْدِ بلخٍ من سُميْساطِ
مطبخُه قفرٌ وطباخه أفرغ من حجام ساباط)) اهـ.
وقال كثير عزة يمدح عمر بن عبد العزيز الأموى:
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف برياً ولم تقبل إشارة مجرمِ
وصدقت بالفعل المقالَ مع الذي أتيت فأمسى راضيا كلُّ مسلمِ
وقد لبست تسعى إليك ثيابها تراءى لك الدنيا بكفٍ ومعصمِ
وتومض أحيانا بعينٍ مريضة وتبسم عن مثل الجمان المنظمِ
فأعرضتَ عنها مشمئزا كأنَّها سقتك مدوفا من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ومن بحرها في مزبد الموج مفعمِ
وما زلت تواقا إلى كل غاية بلغت بها أعلى البناء المقدمِ
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن لطالب دنيا بعده من تكلمِ
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا وآثرت ما يبقى برأي مصممِ
فما بين شرق الأرض والغرب كلها مناد ينادي من فصيح وأعجمِ
¥