نَعَمْ، قَالَ: ((بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ)). وفيه عن محمد بن إبراهيم التيمى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ، قَالَ: ((بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ)).
وفى ((صحيح البخارى)) عن عبد العزيز بن صهيب قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَلَى، قَالَ: ((اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الْبَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إِلا أَنْتَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا)).
وفيها أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما بادر إلى التداوى بالأدوية المادية دفعاً لمؤذٍ عارض لا يندفع إلا بها، وأكثر ذلك كان بالحجامة، كما احتجم من الشقيقة التى صدَّعت رأسه، وهو محرمٌ مسافرٌ بين مكة والمدينة، بمكان يقال له ((لحي جمل)) على سبعة أميال من السقيا، وقيل: بالقاحة (1) قبل السقيا بنحو ميل، بوادى يقال له ((وادى العبابيد)).
وربما احتمى واحترز لصحته وعافيته قبل اعتلالها وتغيرها، فكان يحتجم ثلاثاً: اثنتين فى الأخدعين وواحدة على الكاهل، وأكثر ذلك لسبع عشرة أو تسع عشرة أو أحدى وعشرين من الشهر القمرى.
ويؤخذ من فعله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاها أنَّها على وجهين:
(الأولى) الحجامة الاعتيادية على سبيل الاحتياط، والتحرز من الأذى، وحفظاً للصحة، وتحفيزاً للبدن على التخلص من المؤذيات التى يضره احتقانها، فإنها ربما أحدثت سدداً لمجارى البدن الطبيعية، وأوراماً رديئة. وفى فعله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الحجامة لسبع عشرة أو تسع عشرة أو أحدى وعشرين من الشهر القمرى معنىً يجب التنبيه عليه، لبيان عظيم فائدتها فى هذا الوقت بالتحديد.
قال العلامة ابن القيم ((الطب النبوى)) (ص44): ((وأفضل أوقاتها فى الربع الثالث من أرباع الشهر، لأن الدم فى أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ، وفى أخره يكون قد سكن، وأما فى وسطه وبعيده، فيكون فى نهاية التزيد.
قال صاحب ((القانون)): ويؤمر باستعمال الحجامة لا فى أول الشهر، لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا فى آخره، لأنها تكون قد نقصت، بل فى وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة فى تزايدها لتزيد النور فى جرم القمر)) اهـ.
ــــــــ
(1) أخرج أحمد (1/ 344،244)، وابن الجعد ((المسند)) (318)، وابن سعد ((الطبقات)) (1/ 444)، وابن الجارود (388)، وابن الجوزى ((التحقيق فى أحاديث الخلاف)) (1105)، والذهبى ((سير الإعلام)) (5/ 210) من طرق عن شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِالْقَاحَةِ وَهُوَ صَائِمٌ.
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم يعني حديث الحجامة.
وقال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (1/ 130): ((أخبرنا صالح بن أحمد نا على بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث، قلت: ليحيى عدها شعبة؟، قال: نعم؛ حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء مثل ما قتل من النعم، والرجل ياتى امرأته وهى حائض))، يعنى: وحديثه فى الحجامة ليس بصحيح.
وكل من يعتاد هذه الحجامة لا يخفاه أثرُها فى حفظ صحته، ووفور عافيته، واعتدال طبيعته ومزاجه، فهو يتخذها كنظامٍ وقائىٍ ربما لا يحتاج معه إلى كثير علاجٍ إذا طرأ عليه المرض، ولهذا واظب على فعلها الأخيار من الخلق، ورأسهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
¥