قلت: قوله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يمش" فهم منه بعض أهل العلم جواز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى صلاحها، فنقل القاضي عياض عن الإمام مالك أنه قال:"يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها، مما يضر فيه المشي حتى يصلحها أو يمشي حافياً إن لم يكن ذلك"قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح في الفتوى والأثر، وعليه العلماء"
قلت: ويكره كذلك المشي في نعلين مختلفين ذكره ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية.
فائدة: النهي عن المشي في نعل واحدة قد يدخل فيه كل لباس شفع، كإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، كمن يلبس عباءة أو ما يسمى عند أهل الخليج "البشت"،فيخرج يده من الكم دون الأخرى، وينبغي على المرء ألا يفعل ذلك تركاً للشهرة وعدلاً بين الجوارح، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:"قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين، وإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، وللتردي على أحد المنكبين دون الآخر، قاله الخطابي"
الثاني عشر: النهي عن الانتعال قائماً إذا كان في لبسها تعب أو مشقة:
أخرج أبو داود في سننه من حديث جابر قال:"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتعل الرجل قائماً"
قال الخطابي:"إنما نهى عن لبس النعل قائماً لأن لبسها قاعداً أسهل عليه وأمكن له، وربما كان ذلك سبباً لانقلابه إذا لبسها قائماً، فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته"
قال المناوي:"والأمر للإرشاد لأن لبسها قاعداً أسهل وأمكن، ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائماً تعب "
الثالث عشر: عدم جواز وضع المصحف على النعل حتى لو كان نظيفاً لم يلبس:
يجب على المرء أن يحترم كتاب الله جل وعلا، فهذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن من احترام القرآن حفظه وتلاوة آياته، وتدبره وفهم معانيه، وصيانته من الامتهان وعدم الاحترام.
وقد نص بعض أهل العلم على أن من امتهان المصحف وعدم احترامه، وضعه على نعل نظيف حتى لو لم يلبس، وقد نقل الوزاني في نوازله عن الشافعية قولهم بأنه:"لا يجوز وضع مصحف على نعل نظيف لم يلبس، لأن به نوع استهانة وقلة احترام"
الرابع عشر: جواز لبس المؤذن النعال أثناء الأذان:
سئل العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن قيام أحد المؤذنين بالأذان والنعال في قدميه، خاصة وأنه قد اعترض كثير من الإخوان لما رأوا المؤذن يؤذن وهو منتعل، فأجاب - رحمه الله -:"لا مانع من لبس النعال وقت الأذان، وحتى في الصلاة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -" صلى في نعليه"،غير أنه ينبغي على المؤذن والمصلي أن يتأكد قبل دخول المسجد من طهارة نعليه، وطهارتها كما هو معلوم دلكها بالأرض، وأما الذين اعترضوا فلا علم لديهم، ولا يجوز لهم الخوض فيما لا علم لهم به"
النعال المحرمة والتي لا يجوز لبسها:
يكون لبس النعل محرما في صور وأنواع متعددة والتي من أهمها ما يلي:
• أ: إذا قصد بلبسها الكبر:
الكبر صفة كمال لله جل وعلا، فلا يجوز لأحد من الخلق أن ينازع الله في صفاته، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن رب العزة جل وعلا قال:"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار"،وتوعد الله المتكبرين بصنوف من العذاب في الدنيا والآخرة، فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"
قلت: النعل أو الثوب الحسن نفيس أو غير نفيس لا يعد من الكبر الذي تُوعد صاحبه، والذم يقع على من كان في قلبه الكبر، والعجب بالنفس والهيئة والبطر، قال ابن حجر - رحمه الله -:"والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضراً لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله، لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال:إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"
• ب: إذا كان في لبسها شهرة:
¥