تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 – فدعاهم إلى مكاتبةٍ بما يدعون إليه، فإن كان حقاً قبله وشكركم عليه، وإن كان غير ذلك سمعتم جواب المُثبِت وتبين لكم حقيقة ما لديه. فأبوا ذلك أشد الإباء واستعفوا غاية الاستعفاء.

3 – فدعاهم إلى القيام بين الركن والمقام قِياماً في مواقف الابتهال حَاسري الرؤوس، يَسْأَل الله أن ينزل بأسه بأهل البدع والضلال، وظن المُثبِت – واللهِ – أن القوم يجيبونه إلى هذا، فَوطَّنَ نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه، وَيعرض ما يثبته وينفيه على كلام رب العالمين، وعلى سنة خاتم المرسلين، ويتجرد من كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه إلى أسفل السافلين. فلم يجيبوا إلى ذلك أيضاً، وأتوا من الاعتذار بما دل على أن القوم ليسوا من أولي الأيدي والأبصار. فحينئذ شمَّر المثبت عن ساق عزمه، وعقد لله مجلساً بينه وبين خصمه، يَشهده القريب والبعيد، ويقف على مَضمونه الذكي والبليد. وجَعل عقد مجلس التحكيم بين المعطل الجاحد، والمثبت المَرمي بالتجسيم، وقد خاصم في هذا المجلس بالله، وحَاكم إليه، وبرئ إلى الله من كل هَوى وبدعة وضلالة وتَحَيُّزٍ إلى فئة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان أصحابه عليه. والله سبحانه المسؤول أن لا يكله إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه فإن أزِمَّةَ الأمور بيديه، وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحُكومة أن يقوم لله قيام متجرد عن هواه، قاصداً لِرضى مولاه، ثم يقرؤها متفكراً، ويعيدها ويبديها متدبراً، ثم يحكم فيها بما يُرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلها بالسب والشتم كَفِعل الجاهلين والمعاندين فإن رأى حقاً قبله وشكر عليه، وإن رأى [باطلاً رده على قائله وأهدى الصواب إليه، فإن الحق لله ورسوله، والقصدُ أن تكون كلمة الله هي العليا جهاداً في الله وفي سبيله، والله عند لسان كل قائل وقلبه، وهو المطَّلِع على نيته وكسبه، وما كان أهل التعطيل أولياءه، إنْ أولياؤه إلا المتقون المؤمنون المصدقون، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105].

فصل

وهذه أمثال حِسانٌ مضروبةٌ للمعطل والمشبِّه والموحِّد، ذكرتها قبل الشروع في المقصود؛ فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين

{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلاً لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول: لستُ من العالمين. وسنفرد لها إن شاء الله كتاباً مستقلا متضمناً لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من كنوز العلم وحقائق الإيمان، وبالله المستعان وعليه التكلان.

المثلُ الأول: ثياب المعطل ملطخة بعذرة التحريف وشرابه متغير بنجاسة التعطيل، وثياب المشبه متضمخة بدم التشبيه وشرابه متغير بدم التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.

المثلُ الثاني: شجرة المعطل مغروسة على شفا جرف هار، وشجرة المشبه قد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرة الموحد {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24 - 25].

المثلُ الثالث: شجرة المعطل شجرة الزقوم فالحلوق السليمة لا تبلعها، وشجرة المشبه شجرة الحنظل فالنفوس المستقيمة لا تتبعها. وشجرة الموحد طُوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.

المثلُ الرابع: المعطل قد أعدَّ قلبُه لوقاية الحر والبرد بيتَ العنكبوت، والمشبه قد خُسف بعقله فهو يتجلجل في أرض التشبيه إلى البَهموت] وقلب الموحد يطوف حول العرش ناظر إلى الحي الذي لا يموت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير