والثاني: أن المراد منه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة).
فيقال:
صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل هو في حقيقته تحريف وليس تأويل، ومن أسباب رواج أقوال أهل البدع في تحريف نصوص الأسماء والصفات تسميتها (بالتأويل).
أما تحريف أهل البدع لمعنى الحديث (بنزول أمره لبعض ملائكته)، (أو الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة)، فإن هذا باطل لوجوه:
الوجه الأول:
أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول: " من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " ولا يمكن أن يقول ذلك أحد سوى الله تعالى.
الوجه الثاني:
أن نزول أمره و الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة لا يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره وإجابته لمن دعاه ورحمته في كل وقت.
الوجه الثالث:
أن تحريفه (بنزول أمره لبعض ملائكته) أو (الإقبال على الداعي .. ) ونحو ذلك مما يخالف ظاهر الحديث ويقتضي أن في الكلام شيء محذوف، والأصل الأخذ بظاهر الحديث وعدم الحذف.
أما قوله: (والحق هو ما ذهب إليه السلف. قال البيهقي: (وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه). نقله الحافظ في الفتح. والقدر الذي قصد إفهامه هنا معلوم وهو أن الثلث الأخير وقت استجابة، وعموم رحمة، ووفور مغفرة، فينبغي لطالب الخير أن يدركه).
فيقال:
لا شك أن مذهب السلف الصالح هو الحق، وهو الإيمان بما يظهر من نصوص الأسماء والصفات من المعاني اللائقة بالله تعالى من غير تشبيه. لكن ما نقله الشارح عن البيهقي ليس هو مذهب السلف الصالح، وإنما هو مذهب أهل (التجهيل) وحقيقة مذهبهم: أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها حتى النبي صلى الله عليه وسلم، يتكلم بأحاديث الصفات ولا يعرف معناها، وهناك من يسميهم أهل (التفويض) لأنهم يفوضون العلم بمعاني نصوص الصفات.فقول البيهقي رحمه الله: (والسكوت عن المراد). لا يسلم له بل يجب الإيمان بما دل عليه معنى الحديث وهو: إثبات نزول الله عز وجل حقيقة، وهو نزول يليق بجلاله وعظمته.
وقول الشارح: (والقدر الذي قصد إفهامه هنا معلوم وهو أن الثلث الأخير وقت استجابة، وعموم رحمة، ووفور مغفرة، فينبغي لطالب الخير أن يدركه).
هو: تعطيل واضح للمعنى الذي دل عليه الحديث وهو نزول الله عز وجل حقيقة، وهذا المعنى قصد إفهامه، وكلام الشارح يفيد أن معنى الحديث لم يقصد الشارع إفهامه، وهذا باطل؛ فنحن نفهم معنى النزول وهو غير معنى الاستواء، وغير معنى السمع، وغير معنى البصر، فالكل لفظ معنى تعرفه العرب من لغتها. أما عند المعطلة (أهل التجهيل) فهذه الألفاظ عندهم بمنزلة الكلام الأعجمي لشخص عربي لا يعرف العجمة.
التعقب الخامس:
في كتاب (التوبة) عند شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (6953) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها ".
قال الشارح:
(قوله: " لله أفرح بتوبة عبده " الفرح لغة: اهتزاز وطرب يجده الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه أو يسد به خلته، أو يدفع عن نفسه ضرراً، أو نقصا، ولا يصح هذا المعنى في حق الله سبحانه وتعالى، فالمراد بفرحه هنا: رضاه سبحانه).
أقول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه دل على إثبات صفة الفرح لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، وفرح الله صفة كمال، كسائر صفاته، لا يشبه فرح أحد من خلقه، وفرح الله فرح إحسان ولطف وبر، لا فرح محتاج، لأن الله سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة المطيع، ولا تضره معصية العاصي، ومعنى الفرح، غير معنى الرضا، ففرح الله عز وجل غير رضاه، الذي أضافه لنفسه، قال تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) (سورة المائدة: آية 119). وقال تعالى: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه) (سورة محمد: آية 28). فالله موصوف بالرضا، وموصوف بالفرح، وتحريف معنى فرح الله إلى رضاه من أقوال أهل البدع.
التعقب السادس:
¥