أشار إلى هذا الكتاب ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة وذلك حينما تحدث عن ترجمة عباس بن ناصح الثقفي حيث قال عن هذا الأديب الشاعر اللغوي: (وقد ذكرت الخبر بتمامه في كتابي المؤلف في النحويين) ([111]). هكذا أشار ابن الفرضي أنه ألف كتابا عن النحويين، ولعل مما يعزز هذا الأمر ما ذكره عن نفسه من أنه انشغل بدراسة العربية - وهو يعني النحو - نحو ثلاث سنوات ([112])، لكن المصادر الأخرى التي بين أيدينا لا تذكر شيئاً عن هذا الكتاب حتى السيوطي الذي اعتمد في كتابه بغية الوعاة على كتاب ابن الفرضي تاريخ العلماء لم يشر إلى كتاب النحويين ([113]) وبهذا يبدو لنا أن هذا الكتاب إما أن يكون فقد في وقت مبكر وبعد وفاة المؤلف مباشرة، أو أن ما أشار إليه ابن الفرضي كان مشروعا لم يكتمل ومن ثم لم ير النور.
وبالإضافة إلى هذه المؤلفات فقد ذكر في مقدمة كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم قوله: (كانت نيتنا قديما أن نؤلف في ذلك كتابا موعبا على المدن يشتمل على الأخبار والحكايات، وأملنا جمع الكتاب الذي تقدم ذكره على البلدان ويستقصي ما اختصرناه في كتابنا هذا من الحكايات والأخبار أن تأخرت بنا مدة …) ([114]) وقد أكد هذا الأمر حينما ترجم لقاسم بن أصبغ حيث ذكر عددا من شيوخه ثم قال: (في عدد سواها كثير مما أذكرهم في الكتاب الكبير الذي أُؤمل جمعه على المدن، وأتقصاهم فيه - إن شاء الله- …) ([115]). ويبدو أن هذا الكتاب لم يتح للمؤلف تأليفه إذ لا ذكر له عند غيره ممن تحدثوا عن ابن الفرضي أو تراثه الفكري.
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد ذكر إسماعيل باشا مصنفا آخر لابن الفرضي في ذيل كشف الظنون هو (الإعلام بأعلام الأندلس من العلماء والمثقفين والفقهاء والندماء ومن قدمها من العرفاء) ([116]).
كان هذا عرضا لمؤلفات ابن الفرضي التي لم نتمكن من الاطلاع عليها، أو الوقوف على شيء منها سوى ما ذكره هو عنها، أو ذكره بعض المؤرخين المعاصرين لها، وكل ذلك كان بإشارات مقتضبة، ولكن ومن خلال تلكم الإشارات فقد بدت لنا القضايا التالية:
1. أن ابن الفرضي كان عالما من علماء الأندلس المشهورين، ويدل على هذا اهتمام المؤرخين والكتاب بمؤلفاته الآنفة الذكر، حيث أشادوا بما اطلعوا عليه منها كابن حزم، وابن بشكوال، والذهبي وغيرهم.
2. أن تنوع هذه المؤلفات في مادتها العلمية يدل على أن ابن الفرضي كان ملما بأكثر من علم وفن فهو إلى جانب اهتمامه بالحديث ورجاله، فقد كانت له اهتماماته باللغة والشعر والأدب وغيرها من العلوم كما كان حسن البلاغة والخط ([117]).
3. أن عدم اطلاع المؤرخين والكتاب المعاصرين لابن الفرضي على بعض مؤلفاته أو نقلهم منها، يدل على أنها قد فقدت منذ وقت مبكر، ولا يستبعد أن تكون أحداث الفتنة البربرية التي قضت على المؤلف هي التي قضت على بعض كتبه - أيضا-.
ثانياً: الكتب الموجودة:
لم تصل إلينا من مؤلفات ابن الفرضي سوى كتابين هما:
1 - كتاب الألقاب:
هذا الكتاب لم يشر إليه أحد من المؤرخين والكتاب الذين تحدثوا عن تراث ومؤلفات ابن الفرضي وهو يعنى بالأشخاص الذين اشتهروا بألقابهم دون أسمائهم وقد رتبه على حروف المعجم حسب الأبجدية المشرقية، حيث ضم عددا كبيرا من ألقاب الرجال والنساء، أما منهجه فإنه يذكر أولا اللقب ثم يذكر اسم صاحبه بعده ومن الأمثلة على ذلك: (الفاروق: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -) ([118])، و (الصماء: ابنة بسر المازنية اسمها بهية) ([119])، وحينما يتكرر اللقب لأكثر من شخص فإنه يكرر اللقب ثم يعرف بالشخص المعني؛ مثل (شعبة) أورده ثلاث مرات وعرف بثلاثة أشخاص كلهم يحملون هذا اللقب ([120]).
أما مصادره فإنه غالبا يذكرها إما بعد المعلومة مباشرة حيث يسبقها بكلمة (ذكره فلان)؛ ومن الأمثلة على ذلك: أنه حينما تحدث عن مشخصة قال: (لقب للحسين بن إبراهيم ذكره الحاكم) ([121])، وقد يذكر المصدر قبل المعلومة: ومثال ذلك قوله: (سفينة مولى أم سلمة، قال الواقدي: اسمه مهران) ([122]).
¥