تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعَقِبَ هذا قسم المنافع إلى ما يكون بالنسبة والملاءمة – وإلى ما يكون بالفعل والاعتماد. فما تعلق من تلك المنافع بهوى النفس سمي نسيبا، وما كان متعلقا بالأشياء المستدعية رضى النفس سمي مديحا، وإذا تعلق الذكر القبيح بالأشياء المنافرة لهوى النفس والأشياء المباعدة رضاها فكلاهما داخل في قسم الهجاء.

ولما أورد الأقسام الفرعية للشعر مثل التوبيخ والإعتاب، توجه إلى تقسيم "الأقوال فيما حصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه إلى تهان وما معها، وتعاز وما معها، ومدائح وما معها." وبعد التقسيمات الكثيرة الصعبة، عاد حازم إلى ذكر هذه الأغراض الأربعة مديحا أنها "أمهات الطرق الشعرية" – وأن كل ذلك يرجع إلى ما سببه الارتياح أو الاكتراث أو هما معا.

وقد عانى صاحب المنهاج معاناة شديدة في هذه التقسيمات المنطقية حتى يتسنى له إدخال النسيب ضمن الأغراض الأساسية للشعر، "وهو ذلك الفن الذي أبى الخضوع تماما لقسمة قدامة من قبل".

ولعل هناك سبيلا آخر يؤدي إلى وحدة الانطلاق. فلو قال القرطاجني بأن الغرض الشعري الواحد صورة لحالة نفسية في لحظة ما، لتحقق له ذلك دون اللجوء إلى هذه المشقة في التقسيمات والتفريعات، ولكانت تفريعاته أسهل وأبسط، ونظرياته أقرب للفهم والقبول.

ولحازم في تقسيم أغراض الشعر مكانة خاصة بين سائر النقاد وفضل سبق إلى ناحية من هذه القضية. فبتتبع كل المحاولات لتقسيم الشعر نلاحظ أنها تنصب كلها على جانب الشكر والصورة النهائية للشعر، ولم تتعرض للبواعث إلى الأقوال الشعرية. والذي دفعه إلى ذلك هو فكرته عن التخييل، فمعاني الشعر عنده "ترجع إلى وصف أحوال الأمور المحركة إلى القول، أو إلى وصف أحوال المتحركين لها، أو إلى وصف أحوال المحركات والمحركين مع. وأحسن القول وأكمله ما اجتمع فيه وصف لحالين."

ومضى في هذا الاتجاه وبين أغراض الشعر من ناحية البواعث على قولها؛ فعلى سبيل المثال، "الارتياح للأمر السار إذا كان صادرا عن قاصد لذلك أرضى فحرّك إلى المدح ... "

وقد بنى حازم نظريته في تقسيم الأغراض على أساس النظر إلى البواعث، فلذلك لم يرتض تقسيمات المتقدمين، كما سبق بيان ذلك. وجاء منهجه هذا متسما بالدقة المتناهية، التي نتجت عن سعة ثقافته وعمق اطلاعه، وبفضل هذه الثقافة نراه يخطو خطوة بعيدة أمام من قبله من النقاد في ربط الأغراض بالانفعالات النفسية التي تبعث على قول الشعر، ومن ثم تقسيم الشعر بالنظر إلى تلك البواعث.

الفصل الثالث: ملاءمة الأوزان للأغراض

قدم حازم لحديثه عن هذه القضية ببيان واسع عن علم العروض، يهمنا منه نتيجته التي توصل إليها من أن للوزن ميزته في السمع وصفة أو صفات تخصه وتكسبه رصانة في السمع أو طيش، أو تكسبه سباطة وسهولة أو جعودة وتوعرا. وهذا ناتج عن كيفية تركيب الأوزان واختلافها لجميع الأوزان (الأخرى) 1) بحسب أعداد المتحركات والسواكن، 2) وبحسب نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، 3) وبحسب وضع بعضها من بعض وترتيبها – 4) وبحسب مظان الاعتماد فيها.

والأغراض الشعرية لها علاقة في التلاؤم مع الأوزان – فالمقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة."

ويؤكد حازم أن كل غرض من أغراض الشعر يوجب نوعا معيّنا من الأوزان. فإذا قصد الشاعر الفخر استدعى ذلك الأوزان الفخمة الباهية الرصينة؛ وإذا كان قصده هزليا أو استفخافيا أو نحو ذلك جاء بما يناسبه "من الأوزان الطائشة القليلة البهاء."

وأشار في نهاية الفقرة التي اعتنى فيها بأوجه المناسبات المذكورة إلى طريقة اليونانيين في مناسبة الأغراض للأوزان، كما أورد قول ابن سينا في ذلك. فإذن: "العروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة. وتجد للبسيط سباطة وطلاوة. وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة، ولما كان في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر."

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير