تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

به."

وإذا أراد الشاعر نظم الشعر والزمان مُنْسَجِمٌ له، فعليه أن يأخذ بوصية أبي تمام للبحتري. ومن ثم يحضر الشاعر مقصده في خياله وذهنه ويتخيل المعاني التي هي عمدة، ثم يقسمها في فصول مرتبة، مختاراً الوزن المناسب. وعلى الشاعر أن يتجنب الحالات النفسية التي تقف بينه وبين نظم الشعر كالكسل في الخاطر أو التشتت فيه أو الاستيلاء السهو عليه أو تكليفه لمواد العبارات (لأنها قليلة)، وأن يحذر حين يصوغ الشعر من أن يكون قدر الوزن فوق قدر المعنى أو العكس، أو يكون المعنى دقيقا داعيا إلى إيراد العبارة عنه على صورة يقلّ ورودها عفواً، أو يكون المعنى من المعاني التي يقلّ التعبير عنها في اللسان، فلا يتمكن الخاطر من إيرادها موزونة إلا بعد كدّ وتعب.

وينقسم الشعراء بالنظر إلى عملية النظم إلى قسمين:

شاعر مروٍّ الذي يحتاج لروية قبل أن ينظم وحال النظم وعند الفراغ، وبعد الفراغ من النظم. ومعنى ذلك أنه يعتمد على قوة التخييل والقوة الناظمة وقوة الملاحظة وقوة الاستقصاء. وقد تُحدث الروية تغييراً في العبارة أو معنى لكي لا يواطئ الشاعر من سبقه، و"طلباً للغاية القصوى من الإبداع".

شاعر مرتجل، حيث تكون أحسن حالات شعره أن يأتي مستقصى مقترن المعاني، وأسوأ حالاته أن يكون شعره غير مستقصى ولا مقترن.

وأما بالنسبة إلى العبارة، فيجب أن يراعي الشاعر فيها حسن التأليف وتلاؤمه (في الحروف والكلمات)، والتسهل في العبارات وترك التكلف، وإيثار حسن الوضع والمبنى وتجنب ما يقبح من ذلك، وتجنب الزيادة والحشف، كما أن عليه اختيار العبارات المستعذبة الجزلة.

ويختم بذلك صاحب المنهاج حديثه عن قضية النظم وتقسيماته. ونحس في هذه الفصول كلها أن حازما يتكلم بلسان الشاعر مبيّنا المعاناة في سبيل نظم الشعر ومبديا التجارب في ذلك. ومن ناحية أخرى نراه يعبر بلغة الفلاسفة حين حاول أن يطبق مبدأ الوحدة الأرسطي على الشعر العربي. ولكن الوحدة لم تكن "وحدة تكامل" كتلك التي رسمها أرسطو، بل كانت وحدة تسلسل، مما يتبين لنا من عنوان فصل يتكلم فيه المؤلف عن النظم: "في الإبانة عمّا يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين هيئاتها، وما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائماً للنفوس أو منافراً لها."

الفصل الخامس: المفاضلة بين الشعراء

عدّ الدكتور إحسان عباس حازما أقرب النقاد العرب إلى الواقع في فهمه لمبدأ المفاضلة. فهو قد استطاع أن يحقق ما عجز عنه من سبقه من النقاد، وأن يضع ضوابط واقعية لهذه العملية.

إن المفاضلة عند القرطاجني أمر تقريبي لا قطعي، حيث إن الوصول في المفاضلة إلى درجة الجزم أمر غير ممكن، فالترجيح في ذلك على سبيل التقريب. وسبب ذلك يكمن في الأمور التالية:

أن الشعر يختلف باختلاف أنماطه وطرقه، فشاعر يحسن في النمط الذي يقصد فيه الجزالة والمتانة من الشعر، ولا يحسن طريقة الرقة واللطافة؛ وآخر يحسن في النسيب دون غيره من الأغراض.

أن الشعر يختلف بحسب اختلاف الأزمان وما فيها من الأمور يولع الناس بالتعلق بها في أشعارهم، فهناك زمن تشيع فيه وصف القيان والخمر وما ناسب ذلك ويجيدون فيه، وزمان آخر يشيع فيه وصف الحروب أو الغارات، أو نيران القرى وإطعام الضيوف ...

أن الشعر يختلف بحسب الأمكنة وما يوجد فيها مما شأنه أن يوصف؛ فبعض الشعراء يحسن في وصف الوحش (البادية) بينما يحسن البعض الآخر وصف الروض أو الخمر (الحاضرة).

أن الشعر يختلف بحسب اختلاف أحوال القائلين وأحوال ما يتعرّضون للقول فيه، فواحد يحسن الفخر، والآخر يحسن المدح ...

– 6) أن الشعر يختلف بحسب اختلاف الأشياء فيما يليق بها من الأوصاف والمعاني، كما يختلف بحسب ما يختص به كل أمة من اللغة المتعارفة عندها ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير