تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا أخذت هذه الأمور بعين الاعتبار، "فواجب أن يضاف الثناء على الشاعر إذا أحسن في وصف ما ليس معتاداً لديه ولا مألوفاً في مكانه ولا هو من طريقه ولا مما احتنك فيه ولا ممّا ألجأته إليه الضرورة، وكان مع ذلك متكلما باللغات التي يستعملها في كلامه. وبالجملة إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألِفَه ولا اعتاده فإن الشاعر إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألفه ولا اعتاده فساوى في الإحسان فيه من قد ألفه واعتاده، كان قد أربى عليه في الفضل إرباء كثيرا، وإن كان شعرهما متساويا." بمعنى أنه إذا اجتمع الشاعران في غرض ووزن وقافية، يحكم بالتفضيل للذي قال في الغرض الذي لم يألفه على الذي قال في الغرض الذي ألفه وإن تساويا في الجودة.

ردَّ حازم على الذين يفضلون المتقدمين على المتأخرين بمجرد تقدم زمانهم، ويخرج أمثال هؤلاء من دائرة الصناعة النقدية جملة. وقال إننا نقيم المفاضلة بين الشعراء إذا كانت البواعث والمهيئات عند بعضهم أكبر منها عند بعض آخر. قال صاحب المنهاج خاتما حديثه عن المفاضلة وواضعا المعيار النهائي لها: "فأما المفاضلة بين جماهير شعراء توفّرت لهم الأسباب المهيّئة لقول الشعر والأسباب الباعثة على ذلك، وقد أومأت إليها في صدر الكتاب، وبين جماهير شعراء لم تتوفّر لهم الأسباب المهيئة ولا البواعث، فلا يجب أن نتوقّف فيها بل نحكم حكما جزما أن الّذين توفّرت لهم الأسباب المهيئة والباعثة أشعر من الذين لم تتوفّر لهم. وذلك كما نفضّل شعراء العراق على شعراء مصر. ولا نتوقّف في ذلك، إذ لا مناسبة بين الفريقين في الإحسان في ذلك، كما لا تناسب بينهم في توفر الأسباب، وإن كان أكثر تلك الأسباب أيضا في الصقع العراقي قد تغير عما كان عليه في الزمان المتقدّم."

الفصل السادس: معاني الشعر

جعل حازم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، منبع الشعر واحداً، حيث إنه وليد حركات النفس، وذلك رغبة منه في تطبيق الوحدة الأرسطية في عمله النقدي. هذه الحركات النفسية تشتمل على ثلاثة عناصر: 1 - العوامل المحركة؛ 2 - المتحركين؛ 3 - العوامل المتحركة والمتحركين معاً. "فمعاني الشعر، على هذا التقسيم، ترجع إلى وصف أحوال الأمور المحرِّكة إلى القول أو إلى وصف أحوال المتحرِّكين لها أو إلى وصف أحوال المحرِّكات والمحركين معاً. وأحسن القول وأكمله ما اجتمع في وصف الحالين."

وبما كانت الغاية الكبرى من المعاني الشعرية هي إحداث التأثير والانفعال في النفوس الإنسانية بحملها على فعل الشيء أو التجنب منه (كما تقرّر ذلك عند تعريف الشعر) فإن أدخل المعاني في الصناعة الشعرية وأعرقها فيها هي ما اشتدت علقته بأغراض الإنسان واشتركت فيها نفوس الخاصة والعامة بحكم الفطرة أو العادة.

وأحق هذه المعاني بالتعبير عنها في الأغراض الشعرية هي ما كان معروفا ومؤثراً في آن واحد، أو كان مؤثرا بعد معرفته وإدراكه. وأحسن الأشياء التي تجمع المعرفة والتأثير معا هي التي فطرت النفوس على استلذاذها أو التألم منها. وهذا يعني أن الشعر من هذه الناحية يهتم بأمور ثلاثة: 1 - ما هو مفرح كلقاء الأحبة واجتلاء الروض والماء؛ 2 - ما هو مفجع كالتفرّق والتوحش؛ 3 - وما هو مستطاب كلذة قد انصرفت فيلتذ الإنسان لتخيلها ويتألم لفقدها. فهذه الأمور تتصوّر بالفطرة، ولذلك يمكن أن نسميها المتصورات الأصلية، وما كان بخلاف ذلك نسميه بالتصورات الدخيلة، وهي التي لا يوجد لها في فطرة النفوس أثر من فرح أو شجو، وإنما هي مكتسبة، كتلك الأغراض التي لا تقع إلا في العلوم والصناعات والمهن.

ثم يؤكد حازم على أن بعض هذه المعاني المعروفة لا يحسن إيراده في الشعر – كالمعاني المتعلقة بصنائع أهل المهن – وذلك لضعتها. وقد يحصل عكس ذلك أيضا، فمن المعاني التي ليست معروفة عند الجمهور ما يستحسن إيراده في الشعر، وذلك إذا كان مما فطرت النفوس على الحنين إليه أو التألم منه، مثل الأخبار القديمة المستحسنة وطرف التاريخ المستغربة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير