تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس الأمر كذلك في الأغراض المتعلقة بالمسائل العلمية. فإن أكثر الجمهور لا يمكن تعريفهم إياها، ثم أن أمكن ذلك عند بعضهم، فإنه يتوقف عند الإدراك الذهني، وهذا النوع التعلق بالإدراك الذهني لا يصلح للشعر؛ بل قد يُجعل تبعا للإدراك الحسي ليكون مثالاً له، أو ينظّر حكم في تلك بحكم في هذه – ولا يوردها في كلامه إلا من يريد التمويه بأنه شاعر عالم. "والشاعر الحق لا يدرج في شعره إلا المعاني التي تحرِّك الجمهور وتؤثر في النفوس؛ لذلك يمكن القول على وجه الإجمال (مع استثناءين سبقا) إن المعاني الجمهورية في المادة الأصلية للشعر، وهي التي لا يتألف كلام فصيح إلا منها؛ وقد ترد فيها معان أوائل (مقصودة في نفسها) أو معان ثوان (أي استدلالات تقوي المعني الأوائل)؛ ولذلك كانت خير التصورات ما صلحت لإيراد النوعين من هذه المعاني متعقبين، وذلك لا يكون أيضا إلا بالعودة إلى المعاني الجمهورية القائمة في أصل الفطرة الإنسانية".

قضية السرقة

هذه القضية متصلة ببحث المعاني، واتسم نقد حازم أن مرّ بها مرورا عابرا، فجاءت كأنها قضية جانبية ...

وفي أثناء بحث هذه القضية قسّم القرطاجني المعني من حيث كونها قديمة متداولة وجديدة مخترعة إلى ثلاثة أقسام: فالقسم الأول هو ما بتداوله الناس من تشبيه الشجاع بالأسد والكريم بالغمام. ومثل هذا لا تدخله السرقة لأن معانيه ثابتة في وجدان الناس "من قسمة في خواطرهم سواء ولا فضل فيها لأحد على أحد إلا بحسن تأليف اللفظ، فإذا تساوى تأليفا الشاعرين في ذلك فإنه يسمى الاشتراك". ويتفرع من هذا النوع القسم الثاني، وهي المعاني التي قلّت في أنفسها أو بالإضافة إلى غيرها، ويجوز للشاعر أن يتعرض له بشروط: "منها أن يركّب الشاعر على المعنى معنى آخر، ومنها أن يزيد عليه زيادة حسنة، ومنها أن ينقله إلى موضع أحق به من الموضع الذي هو فيه". وأسمى مراتب المعاني هو القسم الثالث الذي يتمثل في استنباط المعاني؛ "من بلغها فقد بلغ الغاية القصوى من ذلك، لأن ذلك يدل على نفاذ خاطره وتوقّد فكره حيث استنبط معنى غريبا واستخرج من مكامن الشعر سرا لطيفا". "وهذا النوع المبتكر لا يمكن أن يسرق وإنما يتحاماه الشعراء لضيق المجال في إخفاء السرقة".

وهذه المعاني وأنواعها تجعل الشعراء على أربع مراتب بالنظر إلى وجود هذه المعني في أشعارهم، وهي: اختراع، واستحقاق، وشركة، وسرقة. "فالاختراع هو الغاية في الاستحسان، والاستحقاق تال له، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فه، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب، والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها أشد قبحا من بعض"

الفصل السابع: التخييل والمحاكاة

تحتل قضية التخييل والمحاكاة حيزا هاما في كتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" حيث اهتم صاحب هذا الكتاب بها اهتماما خاصا. ويمكننا أن نعدها كذلك من أهم وآصل قضايا هذا الكتاب.

وأول من استعمل كلمة "التخييل" هو الفيلسوف الفارابي – في أغلب الظن، واستعملها ابن سينا تفسيرا لكلمة المحاكاة التي وردت في ترجمة متى. "وقد تأثر الفيلسوفان في وضع هذا الاصطلاح وتحديد معناه بنواح ثلاث من فلسفة أرسطو:

الأولى: "المنطق"، فأرسطو قد تحدث عن أنواع المقدمات وأن منها مقدمات يقينية (البرهانية)، ومقدمات ممكنة (الخطابية). فلم ير المنطقيون العرب صعوبة في عد الشعر مؤلفا من مقدمات مخيلة.

والناحية الثانية: علم النفس، فقد لاحظ الشراح العرب أن الشعر لا يخاطب الفكر، بل يخاطب المخيلة فينبه صور المحسوسات المختزنة فيها؛ فلأن المخيلة عند أرسطو تواجه قوة الإحساس، كان التخييل يعتمد على المحسوسات؛ ولأنها وثيقة الاتصال بالانفعالات تتأثر بها وتؤثر فيها، كان الشعر شديد التحريك للانفعال.

والناحية الثالثة: فلسفته الأولى، فقد استطاع الشراح العرب أن يردوا فلسفة أرسطو في الشعر إلى فلسفته العامة، وأن ينظروا إلى التخييل على أنه "العلة الصورية" للشعر، وإلى المعاني والأفكار على أنها علته المادية، ومن هنا أصبح التخييل هو الحقيقة الذاتية التي تميزه عن غيره من الكلام مما ليس بشعر، وجاز للشاعر أن يستخدم التصديقات الخطابية إذا صاغها في عبارة مخيلة."

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير