تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه هي أهم القواعد التي رسمها القرطاجني لقضية المحاكاة والتخييل. وقد استوحى هذه القواعد من الشعر العربي، ولا سيما من الشعر الأندلسي الذي اهتم بالوصف اهتماما كبيرا. "ولم يكن أما حازم شيء من النماذج الأدبية التي رسم أرسطو قواعده على صورتها، فلم يتعسّف في تطبيق هذه القواعد على الشعر العربي، بل حاول أن يطبق الأصل الأرسطي في "المحاكاة" على الشعر العربي، مؤمناً بقيمة هذا الشعر، وبأن أرسطو نفسه لو وجد في شعر اليونانيين مثل ما في أشعار العرب لزاد على ما وضعه من القوانين الشعرية. وأظهر ما يلاحظ في تحليل حازم للمحاكاة الشعرية جانبان: دقة المحاكاة؛ وحسيتها؛ مع ما تستتبعه الدقة والحسية من تفصييل وترتيب."

ويعد حازم شد النقاد توسعا في مسألة التخييل والمحاكاة، فهو إنما توسع في تطبيق هذه النظرية على الشعر أكثر مما توسع أرسطو. فكما يقول الدكتور شكري عياد: "أرسطو لم يبحث إلا صورة واحدة للمحاكاة الشعرية وهي المأساة اليونانية، أما حازم فقد طبقها على ألوان كثيرة من الفن القولي: طبقها على محاكاة المحسوسات مما لم يوجد مثاله في الشعر اليوناني وطبقها على الحكم الشعرية، وطبقها على القصص أيضا."

الفصل الثامن: قضية الصدق والكذب

ليس من الضروري عند حازم أن تكون الأقاويل الشعرية صادقة أو كاذبة أبداً. فالذي تتقوم به الصناعة الشعرية، وهو التخييل، غير مناقض لواحد من الطرفين (الصدق والكذب).

وتجنب صاحب المنهاج الخوض في الاختلافات الواردة في هذه المسألة، بل اقتصر على القول الصحيح في الشعر، "بأن مقدماته تكون صادقة وتكون كاذبة، وليس يعد شعرا من حيث هو صدق ولا من حيث هو كذب بل من حيث هو كلام مخيل."

وكثيرا ما نرى حازما يردد هذا القول في مباحث كتابه؛ ففي موضع يشير إلى الفرق بين الأسلوب الشعري والأسلوب الخطابي من حيث وقوع الصدق والكذب فيهما: "فالشعر إذن قد تكون مقدماته يقينية ومشهورة ومظنونة. ويفارق البرهان والجدل والخطابة بما فيه من التخييل والمحاكاة، ويختص بالمقدمات المموهة الكذب. فيكون شعرا أيضا ما هذه صفته باعتبار ما فيه من المحاكاة والتخييل، لا من جهة ما هو كاذب، كما لم يكن شعرا من جهة ما هو صادق، بل بما فيه أيضا من التخييل." ولم يجوز حازم وقوع الكذب في الشعر مطلقا، بل اشترط أن يكون خفيا حتى يكون الشعر حسنا.

وبيّن أن الشاعر قد يرجع إلى الكذب إذا لم يعوزه الكلام الصادق المشتهر في مقصده: "فقد يريد تقبيح حسن وتحسين قبيح، فلا يجد من القول الصادق في هذا ولا المشتهر، فيضطرّ حينئذ إلى استعمال الأقاويل الكاذبة." وأما إذا أراد تحسين حسن وتقبيح قبيح، فباب الصدق واسع أمامه. "وأكثر أقوال الشعراء في هذين القسمين" صادقة، إلا إذا قصدوا المبالغة في كلامهم.

وإذا نظرنا إلى الشعر من زاوية الصدق والكذب، فينقسم الشيء الحسن قسمين: ما هو أحسن في معناه، وما يكون هناك أحسن منه؛ وكذلك القبيح قسمان: ما هو أقبح في معناه، وما قد يوجد أقبح منه. "وهذا ينبغي أن تكون الأقوال فيهما صادقة في الأولى والأكثر." وأما الحسن والقبيح اللذان يوجد ما يساويهما أو ما هو أكبر منهما، فالأقاويل الشعرية ترد فيها صادقة وكاذبة، بحسب درجة الاقتصاد أو المبالغة فيها.

وقد يرد القول الصادق في تحسين القبيح وتقبيح الحسن، إذ قد توجد في الشيء الحسن جوانب قبيحة، والقبيح، وإن لم يوجد أقبح منه، قد يوجد في وصف مستحسن. وأورد في هذا المقام قول الجاحظ: "ليس شيء إلا وقد وله وجهان وطريقتان. فإذا مدحوا ذكروا أحسن الوجهين، وإذا ذموا ذكروا أقبحهما."

وأما من حيث وقوع الكذب في الشعر، فمن الأقاويل الشعرية ما هو صدق محض، ومنها ما هو كذب محض. وقد يعرف هذا الكذب من ذات القول، وقد لا يعرف. والذي لا يعرف من ذات القول ينقسم إلى ما لا يلزم معرفة كذبه من خارج القول، وإلى ما يعرف من خارج القول أنه كذب لا محالة.

فالاختلاق الإمكاني – كأن يصف الشاعر حبّه وشجاه من غير أن يحب أو يحس بالشجى – هو مما لا يعرف كذبه من ذات القول، وقد لا يعلم من خارجه أيضا. والاختلاق الامتناعي والإفراط الامتناعي والاستحالي مما يعرف أنه كذب ولا بد.

والإفراط الإمكاني لا يوصف بالكذب لعدم وجود قرينة لمعرفة صدقه أو كذبه لا من ذات القول ولا من بديهة العقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير