تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد هذه التفريعات يشرع حازم في بيان أنواع أغراض الشعر من هذه الحيثية نفسها – وأن من تلك الأغراض حاصلة وغير حاصلة. وتكون الأقاويل في كلا النوعين اقتصادية وتقصيرية وإفراطية. والأقاويل الحاصلة تكون صادقة في حالتي الاقتصاد والتقصير، وما كان إمكانيا من هذا النوع يحتمل الصدق والكذب.

والأصناف الكاذبة هي: الحاصل الممتنع والحاصل المستحيل والمختلق المقصر والمختلق الاقتصادي والمختلف الإمكاني والمختلق الامتناعي والمختلق الاستحالي.

وإذا تأملنا هذه الأنواع نلاحظ أن ما يدخل فيه الكذب أكثر مما يدخل فيه الصدق. لذلك كان لا بد لحازم أن يرجع حيث بدأ – أي إلى البيان بأن الاعتبار في الشعر لا يكون بالنظر إلى الصدق والكذب، بل بالنظر إلى التخييل، وأن الصدق والكذب والشهرة والظن أمور ترجع إلى المفهومات لا إلى المدلولات.

ولم يقف حازم عند هذا الحد، بل صرّح بأن الصدق أقدر على التحريك من الكذب، وأن تحريك الأقاويل الصادقة عام وقوي، والكاذبة خاص، ولذلك كان ضعيفا.

ثم خرج إلى بيان "أن من قال: إن مقدمات الشعر لا تكون إلا كاذبة كاذب"، وهو في هذا مترسم ما قرأه عند ابن سينا.

وخلاصة رأي حازم في هذه القضية "أن الشعر إنما ينظر إليه من ناحية تأثيره وقدرته على إحداث الانفعال النفساني، فقد يكون صادقا والصدق فيه عاجز عن إحداث الانفعال، وحينئذ يكون الكاذب القادر على إحداث الانفعال خيرا منه."

وفي هذا السياق هاجم حازم المتكلمين الذين زعموا أن الشعر لا يكون إلا كاذبا، وردّ عذرهم إلى ضعف بضاعتهم، وأنهم – عند الكلام في إعجاز القرآن - احتاجوا إلى معرفة الفصاحة والبلاغة، وظنوا أن ذلك يتأتى في يوم وليلة. فبين القرطاجني أن إتقان صناعة العلمين يتطلب وقتا ليس بيسير، "فهي البحر الذي لم يصل أحد إلى نهايته مع استنفاد الأعمار فيها."

وبهذا التقسيم والتفريع خرج حازم من الاختلافات التي دارت بين النقاد حول قضية الصدق والكذب. وكأنه يشير إلى ما كان عليهم أن يفعلوا – فبدلا من أن يسألوا هل هذا صدق أو كذب كان عليهم أن يبحثوا عن المحاكاة ودرجة تأثيرها في الشعر.

الفصل التاسع: مذهب المطابقة والمقابلة والتقسيم والتفريع

جاء القرطاجني ببعض القوانين الجزئية التي تساعد على الإتيان بالكلام على أمثل صورة. وبدأ كلامه في هذه المسائل بقوله: وأما المتخالفات والمتضادّات فالصيغ فيها تقسيمية وتفسيرية. وبعد هذا التقسيم دخل في شيء من التفصيل فتحدث عن الطباق وخالف قدامة في تسميته بالتكافؤ، وقسّم المطابقة إلى محضة وغير محضة (كلمتان متضادتان). هذا عن التضاد.

وأما المخالف فهو الذي يقارَن بما يقرب من مضاده كمقابلة الأبيض بالأحمر. ولم يخف حازم عند تعرضه لهذه المسائل إعجابه ببيت المتنبي:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي

فهذا البيت قد اشتمل على صفتي المطابقة: المحضة وغير المحضة.

ورأى أنه مما يجري مجرى المطابقة تخالف وضع الألفاظ لتخالفٍ في وضع المعاني مثل:

أنت للمال إذا أصلحته فإذا أنفقته فالمال لك

وتناول المقابلة مُورِداً في ذلك أقوال قدامة وابن سنان الخفاجي واستشهاداتهم. وفرّق بين المقابلة الصحيحة والمقابلة الفاسدة.

ومما تعرض له من هذه المسائل الجزئية: التقسيم وضروبه، والتفسير وأنواعه. وأوجب أن يتحرّى في التفسير مطابقة المفسِّر المفسَّر. والمثال على ما جاء فيه التفسير غير مطابق للمفسَّر قول بعضهم:

فيا أيها الحَيَرَان في ظلم الدجى ومن خاف أن يلقاه بغي من العدا

تعالَ إليه تلق من نور وجهه ضياء، ومن كفيه بحرا من الندى

قال: "فمقابلة ما في عجز البيت الأول بما في عجز الثاني غير صحيحة. والتسامح في إيراد التفسير على مثل هذا مُخِلٌّ بوضع المعاني ومُذْهِب لطلاوة الكلام، فينبغي أن يُتحرّز منه وألا يتسامح في مثله."

ثمّ تحدث عن التفريع في آخر مأمّ من هذا المنهج، فعرّفه بأنه "أن يصف الشاعر شيئا بوصف ما. ثم يلتفت إلى شيء آخر يوصف بصفة مماثلة، أو مشابهة، أو مخالفة لما يوصف به الأول، ليستدرج من أحدهما إلى الآخر، ويستطرد به إليه على جهة تشبيه أو مفاضلة أو التفا ت أو غير ذلك ممّا يناسب به بين بعض المعاني وبعض، فيكون ذكر الثاني كالفرع عن ذكر الأول." ومثّل على ذلك بقول الكميت:

أحلامكم لسقام الجهل شافية كما دماؤكم يشفى بها الكَلَب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير