وقال: " و ليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم، و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة، و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا: ذلك كله بدعة.
و اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان و لقمان بن عامر و غيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم و يتبخرون و يكتحلون و يقومون في المسجد ليلتهم تلك. و وافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك و قال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
و الثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة و القصص و الدعاء، و لا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه. و هذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام و فقيههم و عالمهم، و هذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى "
وأنشد بعضهم:
فقم ليلة النصف الشريف مصليا فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه
فكم من فتى قد بات في النصف آمناً و قد نسخت فيه صحيفة حتفه
فبادر بفعل الخير قبل انقضائه و حاذر هجوم الموت فيه بصرفه
و صم يومها لله و أحسن رجاءه لتظفر عند الكرب منه بلطفه.
صيام ستة من شوال:
ـ عن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أنه حدثه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة "
ـ عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: " من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} "
استحباب صيام آخر شهر شعبان وقيل: وسطه:
ـ عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال: يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر؟ (قال: أظنه قال: يعني رمضان). قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرت فصم يومين " لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من سرر شعبان)
ـ عن عبد الله بن أبي قيس سمع عائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: " كان أحب الشهور إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان "
ـ عن ليث عن مجاهد قال: " إذا كان رجل يديم الصوم فلا بأس أن يصله "
المشهور أن سرر الشهر آخره، وقد جمع أصحاب هذا القول بين الروايات التي فيها النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والروايات التي معنا هنا.
قال ابن رجب: " و قد اختلف في تفسير السرار، و المشهور أنه آخر الشهر، يقال: سِرار الشهر، و سَراره بكسر السين و فتحها ذكره ابن السكيت و غيره. و قيل: إن الفتح أفصح قاله الفراء. و سمي آخر الشهر سراراً: لاسترار القمر فيه. و ممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد و غيره من الأئمة. و كذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر، و أشكل هذا على كثير من العلماء "
قال ابن رجب: " فصيام آخر شعبان (على هذا القول) له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطاً لرمضان فهذا منهي عنه و قد فعله بعض الصحابة، و كأنهم لم يبلغهم النهي عنه، و فرق ابن عمر بين يوم الغيم و الصحو في يوم الثلاثين من شعبان، و تبعه الإمام أحمد.
¥