تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودفعاً لتوهم الخروج من صلب الرجل وترائب المرأة في قوله تعالى "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" كما أدى إليه اجتهاد البعض باعتبار نشأة الجنين من نطفة أمشاج خلائط من الجنسين؛ قال الألوسي: "وظاهر الآية أن أحد طرفين البينية (التوسط) الصلب والآخر الترائب .. , فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل .. , قال الحسن وروي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما .. , (و) الترائب .. الأشهر أنها عظام الصدر .. (و) المني .. مستقره عروق يلتف بعضها بالبعض عند البيضتين وتسمى أوعية المني .. , وقوله سبحانه "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" عبارة مختصرة جامعة .. وقيل ابتداء الخروج منه كما أن انتهاءه بالأحليل .. , وزعم بعضهم جواز كون الصلب والترائب للرجل أي يخرج من بين صلب كل رجل وترائبه" (20)، ومعنى البينية بين شيئين التوسط, قال الأصفهاني: " (بين) ظرف لا يضاف إلا إلى متعدد لفظاً أو معنىً وهو يفيد الخلالة والتوسط" (21)، ودفعاً لتوهم الخروج من الصلب والترائب لا من منطقة بينهما وتوهم عدم اختصاص الماء الدافق بالذكر؛ قال ابن القيم: "سبحانه قال "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" ولم يقل يخرج من الصلب والترائب, فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين, كما قال في اللبن "نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ" [النحل: 66] , وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع, والنطفة هي ماء الرجل كذلك .. , قال الجوهري والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والنطفة ماء الرجل والجمع نطف, وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل, ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته, والذي أوجب لأصحاب القول الآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا الترائب موضع القلادة من الصدر, قال الزجاج أهل اللغة مجمعون على ذلك وأنشدوا لامرىء القيس (مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل) , وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة" (22)، وإذا شملهما الإخراج فلا بد من عودة ضمير "يَخْرُجُ" على الإنسان لا على الماء الدافق المقصور على الرجل وحده.

وقد شغل موضوع عود الضمائر المحققين فحرروه استناداً للسياق بجعلها عائدة إلى المذكور الأبعد "الإِنسَانُ" لامتناع عودها على الأقرب وهو الماء, ومن شواهد عود الضمير إلى المذكور الأبعد في القرآن قوله تعالى: "وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا" [الجمعة:11] , أي إلى التجارة, وقوله تعالى: "آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" [الحديد: 7] , أي جعلكم الله مستخلفين, قال ابن تيمية: "عود الضمير إلى الأقرب أولى إلا إذا كان هناك دليل يقتضي (عوده إلى) البعيد" (23)، وقال الزركشي: "وإن كانت القاعدة عود الضمير إلى الأقرب ولكن قد يعود إلى .. غير الأقرب" (24)، وقال السيوطي: " الضمير قد يدل عليه السياق فيضمر ثقةً بفهم السامع نحو "كل من عليها فان" [الرحمن: 26] , (و) "ما ترك على ظهرها من دابة" [فاطر:45] أي الأرض أو الدنيا, .. وقد يعود على بعض ما تقدم" (25)، وفي قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ"؛ يتعلق الحديث ببيان الاقتدار على بعث الإنسان الفرد استدلالا بنشأته, فالحديث إذاً كما ترى يتعلق بالإنسان بداية ومصيراً والماء مرحلة عارضة في ثنايا قصة ممتدة الأحداث عبر أجيال, ولذا الأولوية أن تعود إلى الإنسان كل الضمائر بلا تشتيت باعتباره محور الحديث والمذكور الرئيس, قال القرطبي: "قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" أي إبن آدم .. توصية للإنسان بالنظر في أول أمره وسنته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء" (26).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير