تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويذكر (محمد الداودي) بيتين للشاعر الغزلي عبد الرحمن حجي هما:

قَدْ رَاق لِي فِي هَوَاك الذُّلُّ وَالأرَقُ يَا مَنْ لَه الأسْوَدان الخالُ والحَدَقُ

الله فِي كبِدِي وَمَا تُكابِدُه يَا مَنْ لَه المُشْرِقَان الثغْرُ والعُنُقُ

ويشك الناقد في أن البيت الثاني غير مستقيم، فيصححه بما يلي:

الله في كبدي مما تكابده يا من له المشرقان الثغر والعنق

ولا شك في أن البيت؛ كما جاء به محمد الآمري المصمودي؛ صحيح كذلك، لأن وزن البسيط التام يحتمل تغيير التفعيلة الثالثة من (مستفعلن) إلى (متفعلن) التي أرادها (الداودي) أن تبقى سالمة. ولهذا الأمر وجدنا الشاعر عبد الرحمن حجي يثبت البيت في ديوانه [14] كما أورده المصمودي، وكما أورده القباج في مصنفه [15]، لا كما صححه الداودي.

ويروي محمد بن تاويت البيت المشهور لأحمد شوقي على الصورة التالية:

كذاك الناسُ بِالأخْلاقِ يَبْقى صًلاحُهُمْ ويذهبُ عَنْهُمْ أمْرَهُمْ حَيْثُ تذهَبُ

فيتنبه محمد الداودي [16] إلى أن الشطر الأول غير مستقيم، وأن صواب البيت هو:

* كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم .. * [17]

يتضح من النماذج السابقة أن تركيز نقاد الشعر في المغرب كان على الأوزان المكسورة دون سواها، الأمر الذي جعلهم لا ينتبهون إلى قضايا عروضية أخرى لها دورها في العملية الشعرية. ويمكن أن نستثني منهم (محمد بن تاويت) الذي انتبه إلى قضية عروضية دقيقة هي التجانس الموجود بين الوزن والحالات النفسية، لذلك دعا إلى مراعاة هذا التجانس، قائلا:

\' إن أوزان الشعر العربي أوزان قد لوحظ فيها أنها وضعت حسب انفعالات نفسية لتعبر – كالموسيقى – عن خوالج خاصة بها .. فالطويل والمديد مثلا لا يصب فيهما من المعاني ما يصب في المتقارب أو المنسرح مثلا .. والشاعر نفسه ليس له الخيار بين هذا وذاك من الأوزان من غير ما يراعي فيها ما يناسب حالته النفسية التي هو عليها من هدوء أو قلق، ومن مرح أو انقباض، وسرور أو كآبة، وأمل أو يأس .. ومن لم يراع هذا التجانس بين الأوزان، وبين هذا كله فإن ذوقه ينقصه حس مرهف \' [18].

* وشكلت القافية المحور الثاني في اهتمام نقاد المغرب بالمستوى الإيقاعي، فاعتبروها عنصرا ضروريا لا بد من توافره في النص الشعري، يقول (محمد بن تاويت): \' على القافية تنبني أهمية كبرى في هذه الموسيقى الشعرية فإذا ما أحسن اختيارها فإن الرنين الموسيقي ينتهي أجمل ما يكون .. أما إن أسيء الاختيار في ذلك فإن القافية حينئذ تعكر صفو هذا الصدى الذي كان منسجما في انبعاثه من باقي الموسيقى في الوزن الشعري \' [19].

ويتساءل الناقد كيف أننا كثيرا ما نصادف المعنى الواحد يتناوله عدة شعراء فلا يكتب له البقاء إلا في قصيدة واحدة وقد لا يروج إلا في بيت أو أبيات من الشعر، وربما لا يكون في ذلك من سبب إلا القافية وحدها. يقول: \' ومن العجيب .. أن نجد الشاعر واحدا يصوغ في شعره معنى واحدا من المعاني، ويكرره في ذلك الشعر فيطير صيته بين الناس ولكن هذا الصيت يستبد به بيت واحد من أبياته العديدة، والشاعر واحد والمعنى واحد صاغه الشاعر في عدة أبيات وكرره فيها بعدة صيغ، بل بنفس الصيغة وبنفس الألفاظ في بعض الأحيان .. وهذا مناط العجب؛ إن كان هناك عجب؛ راج بيت ولم يرج آخر، والسبب هو القافية وحدها \' [20].

ويضرب الناقد مثلا ببيت أحمد شوقي المشهور:

وَإنَّمَا الأمَمُ الأخْلاقُ مَا بَقيَتْ فَإنْ هُمُ ذهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذهَبُوا

لقد فعل هذا البيت – في نظر (محمد بن تاويت) – في أنفس الناس وعقولهم ما لا تفعله الخمر في ألبابهم، وتنبه شوقي لهذا السحر الذي بثه بيته في الناس، فانفعل بانفعالهم، وأخذته سكرة الاستحواذ على الجماهير، فرجع إلى المعنى نفسه يصوغه في عدة صياغات، فقال مثلا:

كذا الناسُ بالأخْلاقِ يَبْقى صَلاحُهُمْ ويَذْهب عَنْهُمْ أمرُهُمْ حِينَ تذهبُ

أو يقول:

ولا المَصائِبُ إذ يرْمي الرِّجالُ بِها بِقاتِلاتٍ إذا الأخْلاقُ لَمْ تصبِ

أو يقول:

وإنما الأمَمُ الأخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فإنْ تَولّتْ مَضَوا في إثْرِهَا قُدُمَا [21]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير