تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الصياغة واحدة لكن حظ شوقي في توفيقه بالبيت الأول أكثر من حظه في الأبيات الأخرى، والسبب – كما يقول (محمد بن تاويت) – هو هذا الانسجام الآخذ بآسرة الألفاظ والمنتهي بـ (ذهبوا) المنسجمة تمام الانسجام مع (فإن هم ذهبت .. )، يقول: \' إن ذلك كان بفعل انسجامها مع شرطها السابق. فالقافية أتمت تلك النغمة وانتهت بها إلى الآذان المرهفة الحس فتقبلتها قبولا حسنا، على حين أنها رفضت غيرها \' [22].

وإذا كان أحمد شوقي موفقا في اختيار قوافيه، فإن بعضهم لم يستطع أن يحدد لشعره هذا الانسجام الذي تحدث عنه (ابن تاويت)، ومن ذلك ملاحظة (أحمد زياد)؛ وهو يقرأ شعر محمد الحلوي؛ فينتبه إلى أن الشاعر \' ما زال يضع لبعض القوافي كلمات لا تنسجم مع موسيقى الأبيات\' [23]. وقصيدته (سافرة) مثال على ذلك، يقول (أحمد زياد): \' إن الحلوي في قصيدته (سافرة) كثيرا ما يخل بالجمال الموسيقي .. وتلك آفة تسببها له هذه القوافي .. لأنه يحملها فوق ما تطيق \' [24].

ومثل هذه العيوب كثيرة عند الشعراء؛ ليس لها حصر ولا عدد؛ فكم أوقعتهم قوافيهم في أحط درجات الإسفاف، وذهبت بمحاسن شعرهم، وخاصة حين تنضب القريحة، وتجف القافية، فيضطر الشعراء إلى البحث عن أسماء أو ألفاظ يسدون بها فراغا تركته القافية، ومنها قول عبد الله القباج:

كأنَّمَا يُوسُف ما بَيْنهم قَمَرٌ خفت بِهَا هالَةٌ فِيها قَناديلُ

فَلْيَهْنَكِ الخَتْمُ وَليَهْنَ الآلي حَضَرُوا لَيْلَ الختامِ وَمَنْ فِي الخَتْمِ قَدْ صيلوا

لَوْ أنَّهَا نظمَتْ كالدرِّ واتَّخذّتْ فِي الجيدِ دانَ لَها المرْجانُ واللولو

فيعلق (محمد بن العباس القباج) على الأبيات قائلا: \' كل هذه القوافي يمجها الذوق، ويعافها الطبع. وقد قصد في البيت الثاني (قد وصلوا) بالبناء للمجهول، وفي الأخير تسهيل (اللؤلؤ)، وفي تسهيله ثقل شديد ينفر من الشعر وقائله \' [25].

وحين ينتقد (القباج) شعر عباس الشرفي يجد فيه أخطاء كثيرة، فيكتفي بمثال واحد أورده نموذجا لنضوب فكر الشاعر وجفاف قافيته. يقول الشاعر في أحد أبياته:

أراهُ كإسْماعيلَ جد جدوده شُجاعاً مبيدا يومَ فاجِعَةِ الحَرْبِ

ومثل ابنِ عبدِ الله فِي العِلْم والتُّقى وَإلا فَكالزهري الإمام أو الشعبي

فيعلق الناقد قائلا: \' ولست أدري والله ما علاقة (الزهري) و (الشعبي) بالشعر؟ أو هي القافية؛ إذا جفت وضاقت، ولم يبق للشاعر منها مزيد؛ انطلق يبحث عنها بين الأسماء، ورجع للذاكرة يستعرض أسماء شيوخ العلم ليسد بهم ثلمة تركها جفاف القافية ونضوب معين الفكر\' [26].

والقافية اللعينة – كما يقول (عبد الرحمن الفاسي) [27] – هي التي أرغمت الشاعر عبد الملك البلغيثي على وصف الغصن بالخفقان في القصيدة حتى قال مصورا أثر غزوة الخريف في الأزهار والأغصان:

كُلُّ خَوْطٍ مُزَمَّلٍ بِاصْفِرارٍ بَعْدَما كانَ أخْضَراً خَفَّاقا [28]

والقافية نفسها – في نظر الناقد - هي التي أزاغت عبد الملك البلغيثي عن حادة الصواب في جمع (نور) على (أنور) حين قال:

وقد لونت من نقوش الكؤو س إذ انعكست حولها أنور [29]

يقول (عبد الرحمن الفاسي): \' فالنور إنما جمع؛ كما في القاموس على أنوار في القلة، وعلى نيران في الكثرة ومثله في لسان العرب .. ولا يجمع عند القائل بالقياس على أنور\' [30].

ومنها قول زكي مبارك:

فَصَبْراً أيُّها القَلْبُ عَلى مَا يَفْعَلُ الحبَُ

……………. وكل معشق خب

فيعلق (عبد الله كنون) على البيتين قائلا: \' ولعنة الله على القافية التي تضطرنا لأن نجعل معشقنا خبا \' [31].

والواضح من النماذج السابقة أن نقادنا لم يلتفتوا إلى الجوانب الموسيقية والجمالية والدلالية للقافية، إذ اكتفوا بتعريفها ومعالجة بعض جوانبها، أو تحديد مواضع أخطاء الشعراء فيها، باستثناء محمد بن تاويت الذي تنبه إلى سحر القافية، وكيف أن الشاعر ينجح في توظيفها أحيانا، ويخفق كثيرا.

* ومن الظواهر العروضية التي تتبعها نقاد الشعر في المغرب ما في الشعر من عيوب، ويأتي في مقدمة هذه العيوب:

- الإقواء: وهو تغيير حركة الروي، ومن نماذجه في النقد الشعري المغربي قول محمد البيضاوي الشنقيطي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير