ولما كان من الممكن تقسيم كل البحور إلى عناصرها الأساس على هذا النحو كان من الإمكان أن نفترض اكتمال هذا النظام العروضي. على أية حال, تبقى حقيقة أن البحور الستة عشر لا يمكن أن تظهر فعليا كما ظهرت في أشكالها الرئيسية في الدوائر العروضية الخمس, بل إنها تقريبا دوما تنحرف عن ذلك الشكل المثالي النظري وأحيانا إلى درجة كبيرة. وبعبارة أخرى, إن ترتيب الحروف المتحركة والساكنة في القصائد العربية القديمة لا ينسجم مع الترتيب الذي يحدده نظام الدوائر. 1ولذلك, فإنه يغدو من غير الممكن تقسيم, أو تجزئة الصيغ العروضية التي استخدمها الشعراء والمتمثلة في التفعيلات المثالية الثماني, ولا يمكن كذلك تقسيم كل واحدة منها إلى جزأي وزنها، لأن تلك الطريقة في التقطيع تستند بصورة كاملة إلى ذلك الترتيب من الحروف المتحركة والساكنة في الأوزان المثالية الخاص بالدوائر. كانت هذه الحقيقة بالطبع معروفة بالنسبة إلى الخليل كما هي معروفة لدينا الآن. وفي الواقع, فإن دوائر الخليل ما هي إلا نوع من الأصول الإيقاعية, التي أخذت منها بوضوح الأشكال الفعلية للأوزان التي استخدمها الشعراء بوصفها فروعا. وبالنتيجة, فإن هناك مصطلحين مختلفين يحددان "طبيعة" الأوزان. فالأشكال المثالية في الدوائر يطلق عليها "البحور"، وأما تلك المأخوذة منها والواردة فعليا في الشعر القديم تسمى "أوزان الشعر".
وأصغر أشكال القطع هو تقصير البحر. ويمكن رؤية هذا مباشرة لأن البحر لا يكون عندئذ تاما من حيث عدد الأجزاء. ووفقا لدرجة التقصير تكون هناك ثلاث إمكانات لوضع البيت يمكن حصرها على النحو التالي:
أ / المجزوء، إذا كان هناك جزء واحد محذوف في كل من الشطرين (إذا كان مثلا متعلقا بالهزج، أو الكامل, أو الرجز تكرر التفعيلة مرتين فقط, وليس ثلاث مرات).
ب / المشطور, إذا حذف شطر كامل من البيت. (مثال ذلك عندما يتم تقليص الرجز إلى شطر واحد).
جـ / عندما يضعف البيت إلى درجة تصل إلى حد الإنهاك، وذلك في مناسبات نادرة. (مثال ذلك بحر المنسرح عندما يختزل إلى ثلث حجمه).
كل هذه التغيرات تطرأ على الشكل الخارجي للبحر, وليس على بنيته الإيقاعية التي تظهر من خلال تتابع الحروف المتحركة والساكنة.
وتختص مجموعة من القواعد بمعالجة الحالات الكثيرة التي يختلف فيها هذا التتابع عن ذاك الموصوف بالدوائر. ويشكل هذا إضافة مهمة للدوائر؛ لأن التغيرات ستكون اعتباطية, وبذلك ستفقد الدوائر ميزتها المرجعية بوصفها أصولا، إن لم يكن هناك قواعد كهذه.
وكما يندهش المرء بانتظام الجزء الأول من هذا النظام العروضي المتعلق بالدوائر الخمس وبحورها المعروفة؛ فإن الجزء الثاني يسبب له الارتباك بسبب الإفتاء والتعقيدات فيه. ولكن هذا الأمر متأصل في طبيعة هذا النظام. فلا الخليل, ولا أحد من العروضيين المتأخرين استخدم مصطلح المقطع اللفظي. وعليه فإننا لا نتوقع وجود قواعد عامة (تتعلق بتقليص المقاطع الطويلة إلى مقاطع قصيرة, وحذف المقاطع القصيرة وغير ذلك). وفي الواقع، فقد اضطر العروضيون لأن يذكروا في كل حالة على حدة ما إذا كان، وإلى أي حد تظهر الحروف المتحركة، والحروف الساكنة في الشعر القديم إضافة أو نقصا إذا قورنت بنظام الدوائر المثالي.
ولا بد من عمل هذا في أي بحر, وفي أية واحدة من تفعيلاته التي تقع في شطري البيت كليهما, وكي تتم الدلالة على ذلك بصورة واضحة كان لا بد من وضع مصطلحات يقوم كل واحد منها بنفسه لتعالج أيا من هذه الفروق العديدة. وقد انبثق من هذه القائمة المربكة نظام محدد, وقدر من الوضوح يعود الفضل فيهما إلى حقيقة أن كل أنماط التغيير أو التقليص تقع في قسمين يؤديان وظائف مختلفة, ويظهران في أجزاء مختلفة من بيت الشعر.
¥