استمع الخليل لرواة الشعر القديم، ودون ملاحظاته في بناء الدوائر على نحو بياني، ولذلك فإن نتائج تحليلات المستعربين (يعني تحليل المستعربين) يمكن أن يؤخذ بها بوصفها دليلا معاصرا، وأنها تقودنا بالفعل إلى فهم كامل لخصوصيات الأوزان العربية القديمة. وكما سنرى، فإن النظام العروضي
ـــ الذي أنشئ من الناحية النظرية من الجوهر المتلازم للإيقاع المتصاعد
(ب ـــَ) ـــ هو نظام مطابق تماما لنظام الأوزان التي استخدمها الشعراء العرب القدامى.
ولو جُمعت المقاطع المحايدة حول الجوهر سنحصل على تفعيلات ذات إيقاع متصاعد؛ ولن يكون في هذه التفعيلات أقل من ثلاثة، أو أكثر من خمسة مقاطع. ولذلك فإننا نحصل على التفعيلات السبع التالية: (1) ب ـــ x ،
X ب ـــَ، (2) ب ـــَ x x ، x x ب ـــَ، x ب ـــ ب (3) ب ـــَ ب ب ـــ،
ب ب ـــ ب ـــَ. ولا يمكن اشتقاق أي أشكال جديدة أو مختلفة من الجوهر
(ب ـــ). ولو أننا لم نمثل هذه التفعيلات عن طريق الرموز، بل قمنا بذلك على النحو الذي يفعله النحويون العرب؛ فإننا سنحصل ـــ على نحو دقيق ـــ على تلك الألفاظ الممكن تذكرها التي صاغها الخليل لتفعيلات الإيقاع المتصاعد السبع: (1) فعو ـــ لن، فا ـــ علن، (2) مفا ـــ عيـ ـــ لن، مس ـــ
تفـ ـــ علن، فا ـــ علا ـــ تن، (3) مفا ـــ علـ ـــ تن، متـ ـــ فا ـــ علن.
وفي حين يظهر دائما الجوهر الإيقاعي الحقيقي لتلك التفعيلات في نفس الشكل غير القابل للتجزئة أو التبديل، مع وجود النبر في المقطع الطويل، نجد أن المقاطع المحايدة ـــ التي ليس لها دور في تشكيل الإيقاع الحقيقي ـــ لا تحمل نبرا، وليست ثابتة من حيث كميتها. فهي إما أن تكون طويلة أو قصيرة؛ ووظيفتها الوحيدة هي أن تجلب نوعا من التغير في الإيقاع. ويعتمد الفرق بين تلك الأشكال المتنوعة على:
أ/ ما إذا كانت التفعيلة تبدأ مباشرة بالجوهر الذي يجعل الإيقاع المتصاعد قويا على نحو خاص: ب ـــَ x ، ب ـــَ x x ، ب ـــَ ب ب ـــ.
ب/ ما إذا كان الجوهر واقعا في نهاية التفعيلة مما يعطي الإيقاع طبيعة سريعة إلى حد ما: x ب ـــَ x ، x x ب ـــَ، ب ب ـــ ب ـــَ.
ج/ أو ما إذا كان الجوهر محبوسا داخل التفعيلة، والذي يعوق ـــ إلى حد ما ـــ فاعلية الإيقاع الصاعد: x ب ـــَ x . فقط لمجرد أن تجميع المقاطع المحايدة حول الجوهر يحدد أشكالا إيقاعية مختلفة؛ فإنه من الضروري تماما الاحتفاظ بهذا الشكل الثابت للتفعيلات عند تقطيع الأوزان.
ومع جمع هذه التفعيلات السبع، سنحصل على بحور الإيقاع المتصاعد في المجموعات الثلاث التالية:
1 - يتم الوصول إلى البحور السبعة البسيطة عن طريق تكرار الأجزاء السبعة في شكل متطابق. هذه البحور السبعة التي تم إيجادها من الناحية النظرية متطابقة تماما مع بحور: الوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والمتقارب، والمتدارك التي استخدمها الشعراء القدامى.
2 - لو لم تجتمع المقاطع السبعة مع نفسها، ولكنها ضم بعضها إلى بعض فسينتج ـــ وفقا لحساب المقاطع القابلة للتنوع ـــ احتمالات كثيرة من البحور "الموحدة". ولكن، معظم تلك البحور الكامنة عاجزة عن النطق لأنها ـــ في الغالب ـــ ستنتهك قانون النظام العروضي العام الذي بمقتضاه لا يمكن لجوهرين أن يلي أحدهما الآخر على نحو مباشر، بل لا بد من أن يكونا منفصلين دائما بما لا يزيد عن مقطعين محايدين. وسوف نرى ـــ عندئذ ـــ أن مجموعات التفعيلات الثلاث ـــ التي تم تمييزها أعلاه ـــ يمكن أن تتوحد في أوزان مركبة من نفسها فقط، وليست مع بعضها بعضا. وبناء على قائمة البحور المركبة الممكنة، هناك أزواج ثلاثة فقط باقية، أي تلك التي تتناسب على نحو تام وبحور: الطويل، والبسيط، والمديد التي استخدمها الشعراء القدامى، وتقابل معكوسها أيضا.
3 - تملأ الفجوة الحاصلة بسبب بسبب غياب البحور الموحدة بتفعيلات ذات أشكال مختلفة للإيقاع المتصاعد كما بينا سابقا، ببحور مختلطة تبدأ بواحدة من التفعيلات السبع للإيقاع المتصاعد، ثم تختلف بعدئذ بتفعيلة للإيقاع المتنازل (مفـ ـــ عو ـــ لاتُ). وفي هذه الحالة أيضا، فإن البناء النظري يقودنا مرة أخرى إلى البحور المختلطة التي استخدمها الشعراء القدامى، والتي جمعها الخليل في الدائرة الرابعة.
¥