إن كتاب "أبي هلال العسكري" "الفروق في اللغة" محاولة كبرى للبرهنة على صحة مذهبه، ودحضا لمقولة الترادف في اللغة التي أجمع أهل الإعجاز على بطلانها. لأن في الحديث: «ألفاظا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، كالعلم والمعرفة، والحمد والشكر، والبخل والشح، وكالنعت والصفة…والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك. لأن لكل منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كان يشتركان في بعضها.» (12). ول "أبي هلال العسكري" فروق طريفة بين التفسير والتأويل، صاغها مجملة، نعرضها مفصلة على النحوالتالي:
التفسير
- هو الإخبار عن أفراد آحاد الجملة (الألفاظ)
- أفراد ما انتظمه ظاهر التنزيل. (لغة النص)
التأويل
- الإجبار بمعنى الكلام.
- الإخبار بغرض المتكلم بكلام.
- استخراج معنى الكلام، لا على ظاهره، بل على وجه يحتمل مجازا أو حقيقة.
- أصل التأويل من: إلت إلى الشيء أؤول إليه. إذا صرت إليه. (13)
إن القراءة الأولى للجدول، تضع بين أيدينا جدلية الظاهر والباطن التي حركت الفكر الإسلامي باتجاهاته وفرقه وأهوائه. ذلك أن أبا هلال العسكري، يفتح أمامنا مسار "التفسير" بشقيه: النقل/العقل. فمناط التفسير اللفظ ودلالته التي احتفظت بها الشفوية العربية في أشعارها وحكمها وأمثالها .. وجسد النص اللغوي الذي يفضي إلى حقيقة الدليل. إنه يتوخى الوضوح، ووحدة المعنى، فهو واحد لدي جميع القراء. أما التأويل، فخلاف ذلك. لأنه مرتبط ب "الظلال" التي يشيعها الكلام، وتحملها الألفاظ وراء أصواتها وحروفها. فهو ذلك "الهمس" الخافت وراء صخب اللغة .. إنه يحاول دوما تفهم، وتدبر مقاصد المتكلم، فيرجح قولا على قول، ويغلب معنى على معنى، حتى يتحقق نهاية الأمر مما يريده هو من النص، لا ما يريده النص منه. لذلك سارع العلماء إلى إلجامه بالشروط.
بيد أن استعمال لفظة بدل أخرى، راجع أساسا إلى منهج القارئ وأداته. ومهما يكن من أمر، فإن التفرقة: «بين التفسير والتأويل، كانت في الحقيقة، تفرقة بين منهجين مختلفين في إدراك النص. إذ يبدو أن التفسير ضرب من الأخذ بالظاهر. أما التأويل، فإنه تجاوز هذا السطح الظاهري إلى أعماق أخرى. وهي التفرقة التي تميز بين مرحلتين مختلفتين من مراحل التفسير.» (14).
وإن الملفت حقا، ورود كلمة تفسير مرة واحدة في القرآن الكريم، في قوله تعالى ? ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ? ? الفرقان 33?. يقول "ابن القيم": «فالتفسير الأحسن، هو الألفاظ الدالة على الحق. والحق هو المعنى والمدلول الذي تضمنه الكتاب. والتفسير أصله البيان والظهور، ويلاقيه في الاشتقاق الأكبر الإسفار، ومنه أسفر الفجر إذا أضاء ووضح، ومنه السفر، بروز المسافر من البيوت.» (15). أما التأويل فقد ورد في سبعة عشر موضعا، متراوحة بين ثلاث معان رئيسة:
-احتمال معان أخرى: ? فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله .. ? ? آل عمران 7?.
-تعبير الرؤيا: ? ورفع أبويه على العرش، وخروا له سجدا، وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.? ? يوسف 100?.
-العدل، الصدق، الابتعاد عن الغش: ? وأوفوا الكيل إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير وأحسن تأويلا.? ? الإسراء 35?. (16).
ويستعرض "عز الدين إسماعيل" (17) آراء المشتغلين بعلوم القرآن بصفة عامة في الفرق بين التفسير والتأويل، من كتاب "السيوطي" " الإتقان في علوم القرآن" نلخصها في الجدول التالي:
1 - 1 - على مستوى اللفظ:
التفسير
- خاص بالألفاظ ومفرداتها.
- يشرح القرآن وغيره من الكتب السماوية، والنصوص والكلام.
- بيان معنى لفظ لا يحتمل إلا معنى واحدا مع قيام الدليل القاطع.
- يكون لغريب الألفاظ.
- يكون لكلام يتضمن قصة، أو سبب نزول.
التأويل
- مرتبط بالمعاني والجمل.
- مقصور على القرآن، فلا نقول تأويل قصيدة أو خطبة.
- هو اختيار معنى من المعاني المحتملة مع تقديم الدليل على صحة المعنى، إنه ترجيح أحد المعاني المحتملة المناسبة.
- يكون للألفاظ كما يكون للجمل.
1 - 2 - على مستوى النص:
التفسير
- يتعلق بالرواية.
- مقصور على الإتباع والسماع.
- لا يحتمل الاجتهاد، أو الاستنباط.
التأويل
- يتعلق بالدراية.
¥