تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حمّل تحرير علوم الحديث للشيخ عبدالله الجديع

ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[31 - 05 - 04, 09:57 ص]ـ

الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشْهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريك له وليُّ الصَّالحين، وأشْهد أنَّ محمَّداً عبْده ورسوله النَّبيُّ الصَّادقُ الأمينُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه وسلَّم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدّين.

أما بعد. .

فإنَّ العلم بهذا الدّين يَقوم على معرفة كتاب الله وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وقد تكفَّل اللهُ تبارك وتعالى للنّاس بحفظ ما تقوم عليهم به الحجَّةُ وتلْزمهُم الشَّرائع، كما قال: {إنّا نحن نزَّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9]، فسخَّر لهُ من عِِباده من كانوا أسباباً في حفظه وبَقائه.

وهذا الحفظ حقيقةٌ مُشاهدةٌ في حفظ الكتاب العزيز.

ولمّا نصّ الله عزَّ وجلَّ فيه على أنَّ معرفته لتقوم الحجُّة على العباد موقوفةٌ على بيان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال: {وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للنَّاس ما نزّل إليهم} [النّحل: 44]. ولأجله فرض الله طاعته صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة، لزم أن يكون حفظ بيانه ممَّا يندرج ضِمناً تحْت حفظه تعالى للذِّكر.

ومعرفة ما جاء به الرَّسول صلى الله عليه وسلم ممَّا هو بيانُ القرآن، لا طريق إليها إلاّ بمعرفة المنقول عنه، وبالضَّرورة علمنا أنَّ ذلك المنقول لم يَصلنا كَما وصلنا القرآنُ، وإنَّما هيَ الرِّوايةُ الَّتي يغْلب عليها نقْل الفَرْد، أو الأفراد القليلين عن أمثالهم، وما عاد إلى مثل ذلك، جاز عليه ما يجوز أن يقع من غير معْصوم، كالخطأ والوَهْم، بل والكذب.

لذا كان العمَل على تمييز الصَّحيح من السَّقيم فرْضاً على الأمّة، أن توجد من بينها من يُحقِّق لها الكفاية فيه، حيثُ لا سَبيل إلى معرفة بيان الرَّسول صلى الله عليه وسلم إلا بذلك.

ولا شكَّ أنّ السُّنَّة أساسٌ يقوم عليه نظر الفَقيه ويبْني عليه اجتهاده، كالقرآن العظيم، فإن لم بتيَّن له ما يصحُّ أنّه سنَّة مما لا يصحُّ، فعلى أي أساس سيقيم بنيانه؟

من أجل ذلك أدرك الأولون أنَّ تمييز الصحيح من السقيم ضرورة للفقيه، ومقدمة لابد منها، فحرروا وحققوا، واجتهدوا في نخل المنقول، ولم يزل يناظر بعضهم بعضاً ويرد بعضهم على بعض في شأن صحة نقل الدليل، ولم ينظروا إلى هذه المقدمة إلا كجزء من المقدمات الضرورية للاستدلال.

قال الإمام علي بن المديني: التَّفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الحديث نصف العلم أراد بمعرفة الحديث: تمييز صحيحه من سقيمه.

وعد معرفة ما يثبت من الحديث ممّا لا يثبت شرطاً في المجتهد والمفتي، ممّا لا ينبغي أن يُرتاب فيه، فإنّه إن لم يفهم ذلك صار ولا بدّ إلى أن يبني ويفرع على ما لا يثبت به دين من الرّوايات.

قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: " لا يجوز أن يكون الرجل إماماً، حتىّ يعلم ما يصح ممّا لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعْلم مخارج العلم ".

وهذا يبيّنه الحافظ أبو حاتم بنُ حبّان بقوله: " من لم يحفظ سُنن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها، ولا عرف الثّقات من المحدثين، ولا الضعفاء والمتروكين، ومن يجب قبول أفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يُحسن معاني الأخبار، والجمع بين تضادّها في الظواهر، ولا عرف المفسّر من المجمل، ولا المختصر من المفصّل، ولا النّاسخ من المنسوخ، ولا اللّفظ الخاصّ الذي يراد به العامّ، ولا اللّفظ العامّ الّذي يراد به الخاصّ، ولا الأمر الّذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الّذي هو فضيلةٌ وإرشاد، ولا النّهي الّذي هو حتْمٌ لا يجوز ارتكابه، من النّهي الذي هو ندب ٌ يباح استعماله، مع سائر فصول السّنن وأنواع أسباب الأخبار: كيف يستحلّ أن يفتي، أو كيف يسوِّغُ لنفسه تحريم الحلال، أو تحليل الحرام، تقليداً منه لمن يخطئ ويُصيب؟ ".

قلت: وفي هذا منع لطائفتين من النّاس أن تتكلّم في الحلال والحرام ابتداءً:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير