تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أن الإسلام لم يجعل ذلك التحكم للرسول (نفسه، لقوله تعالى: (وما أنت عليهم بجبار (بل نفى الله تعالى ذلك عن ذاته العليَّة لقوله سبحانه: (وما الله يريد ظلماً للعباد (وقوله تعالى: (وما ربك بظلاَّم للعبيد (وقوله سبحانه: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة (وفي الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلتُهُ بينكم محرَّماً، فلا تظَّالَموا (فثبت أن الشرع معلل بالمصالح المعقولة، فما خرج عن المصلحة إلى المفسدة، ومن العدل إلى الظلم، فليس من الشرع في شيء.

معقولية التشريع تستلزم أن يكون المكلفون به أحراراً ذوي عزة، وهو ما جاء الكتاب العزيز بتأصيله في صريح نصوصه:

على أن الإسلام يخاطب بتشريعه أحراراً ذوي عزة، مصداقاً لقوله تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (وهذه "العزة" حقيقية وليست مجرد وصف قولي، من قِبَلِ أنه ينهض بها أمران: "معقولية التكليف، وقناعة المكلف" ومن ألزم نفسه بالتنفيذ والامتثال عن قناعة ورضا، وكفاية اختيار، كان حراً عزيزاً، بلا مراء.

وأيضاً، يدور التكليف كله على قيم إنسانية ثلاث: العصمة، والحرية، والمالكية، تجد ذلك مفصلاً في كتب الأصول (29)، ولا يتسع المجال لتفصيل القول فيها، أما الاعتساف والانحراف والنكوص والعصيان فلا يكون –والحالة هذه- قائماً على أساس معقول يسوِّغه، إلا أن يكون تحت تأثير "الهوى" والهوى آفة البشرية: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض" لكون الهوى منزعاً نفسياً من شأنه أن يُغشِّي على العقل منافذ التفكير الحر، أو يحول دون تنفيذ أحكامه، وفي هذا اغتيال للقيم الأساسية الإنسانية الثلاث التي لا قيام لمجتمع إنساني بدونها، من "الحرية والعصمة والمالكية" إذ لا تحقق لها إلا بتنفيذ التكليف والامتثال، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: (يا أيها الناس، إنما بغيكم على أنفسكم (وقوله تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها، وقوله تعالى في الجهاد المفروض: "إلا تنفروا، يعذبكم عذاباً أليماً، ويستبدل قوماً غيركم، ولا تضروه شيئاً".

ثمرة التمييز بين المنهج الحسي المادي التقريري، وبين المنهج الغائي التقويمي في الاجتهاد والبحث العلمي التشريعي:

التشريع دلالات ذات مقاصد هي معايير العدل فيه، وقدمنا آنفاً، أن "العدل" في الإسلام ليس مفهوماً ذهنياً فلسفياً مجرداً يحلِّق في آفاق من التأمل المحض البعيد عن الواقع، مما قد يستعصي على التطبيق، بل الدارس لمصادر الشريعة ومواردها، وما نتج عنها من اجتهادات الأصوليين والفقهاء، عبر القرون، يرى أن "العدل" في الإسلام يتمثل واقعاً في المقاصد والمصالح المرسومة شرعاً، وهي غايات الأحكام، نظرياً، ومناط مشروعية التصرف واقعياً وعملياً، والمشروعية هي العدل، ويترتب على هذا النظر أمران:

الأول: أن "العدل" مندمج في التشريع نفسه، نصاً وروحاً ومقصداً، ولا يستوحى من أمر خارج عنه، كالقانون الطبيعي مثلاً، لأن هذا القانون –فضلاً عن كونه مبهماً- قد ابتدع ظهيراً للفردية المطلقة، وهي منافية للإسلام رأساً.

الثاني: أن "معايير" التشريع هي التي يجب أن يحتكم إليها في وزن "الواقع" المعاش بجميع وجوهه ومناحيه، ليكون محكوماً بالتشريع عدلاً، لا العكس، وفي هذا تثبيت لأصالة القيم، وهذا فارق حاسم بين المنهج التقريري والغائي إذ الأول يبني التشريع على أساس الواقع، والظواهر الاجتماعية، بخلاف الثاني، فالواقع وظواهره مادة لتمحيصه، وتحليل عناصره، وتبين غاياته، ووزنه بميزان القيم، فما وافق معاييره شرع، وما خالفها رفض أو قوِّم بما يتفق وأصول العدل الثابتة فيه.

هذا، والظواهر الاجتماعية المخالفة لمقتضى الشرع منكر، والمنكر يجب تغييره لا إقراره، وإلا كان ذلك سبيلاً لتبدل قيم التشريع، ومعايير الخلق، وتبديل التشريع هو إنشاء قواعد مبتدأة، أو تأسيس فقه جديد، مما لم يأذن به الله، لأنه افتئات على حق الله في التشريع، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: (إن الحكم إلا الله (وقوله تعالى: (فوربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم (وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون (. هذا، ومما يؤكد وجوب اتخاذ القانون الغائي منهجاً في التشريع الاجتهادي، أن الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي ذو صلة وثقى بالمصلحة التي هي غاية الحكم، ومناط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير