تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اتصال حقوق الإنسان بالتكليف القائم على عنصر الاعتقاد، كوسائل عملية لتحقيق هذه المقاصد الأساسية للمجتمع الإنساني في أي بيئة أو عصر وجد بحيث لو انخرم واحد من تلك المقاصد، لم تجر الحياة الإنسانية فيه على استقامة، بل على فساد وتهارج وتسافك دماء، يجعل من تلك الحقوق –على تنوع موضوعاتها ومتعلقاتها ومحالها- استجابة عملية وواقعية لما تقتضيه كافة عناصر الفطرة الإنسانية، كملاً، مادة ومعنى، ظاهراً وباطناً، جسداً وعقلاً ووجداناً وروحاً، وإرادة، دون إهمال أو تجاهل لأي منها، وهذا هو "كمال التشريع" الذي يستجيب لكافة مطالب الفطرة الإنسانية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم (وكل تشريع يناقض أصول الفطرة ظاهراً أو باطناً، مكتوب له الفشل حتماً، إذ التشريع للإنسان –بما هو إنسان- بفطرته الكاملة.

ويستدل من هذا، على أن الإسلام يرى –وبحق- أن عنصراً واحداً من عناصر الفطرة- وهو العنصر الجسدي أو المادي- لا تكفي الاستجابة لمطالبه، لإقامة نظام اجتماعي كامل، متوازن، ومتكافل!! بل هو تشريع ناقص مبتسر.

ويرى أيضاً، إن تفاوت الملكات بين الأفراد لا يحول دون تحقيق توازنها في نظام اجتماعي يتسم بالخلقية والإنسانية، ذلك لأن الفطرة الإنسانية ذاتها، قد ثبت أنها نزاعة إلى السمو كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً، بالتبصير والتوعية والتوجيه الصالح، ولا أدل على ذلك من هذا الفرق الشاسع بين وضع الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده!

ومن هنا، كان لهيمنة العقيدة، وسلطان الروح، دور بالغ الأثر في مجال النفس الإنسانية، تسامياً وارتقاء في معارج الكمال، بحيث تتضاءل نسبة تأثير العقل أو الضمير إزاءها، إذ غالباً ما يكون كل منهما معتقل الحكم بالهوى.

هذا، وقد صور القرآن الكريم ما للعقيدة من سؤدد على النفوس، بقوله سبحانه: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (وقوله تعالى حاكياً محاورة الشيطان للذين أتبعوه: "وما كان لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم، فاستجبتم لي، فلا تلوموني، ولوموا أنفسكم".

آفة البشرية إذن، سلطان الهوى على النفوس، والمنازع الغريزية البدائية غير الموجهة، ومن هنا، انطلقت "الحكمة القرآنية" في جعل الحقوق والحريات مظهراً للاعتقاد ابتداء لقوة سلطانه، وبما يستند إليه من التكليف والمسؤولية، اعتقالاً للهوى نفسه: "وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى".

إذن، لا تجد في تشريع الإسلام للحقوق والحريات مشكلة إنسانية تتعلق بالجسد، أو بالمطالب المادية، لأنه أباح له ما في السموات والأرض في حدود ما سن ورسم، بجعله مسخراً له، والتسخير يقتضي الانتفاع، وخلق للإنسان ما في الأرض جميعاً، وأباح الزينة، غير أنه يرى أن "المشكلة الحقيقية" تكمن في التوفيق بين مطالب الجسد ومطالب الروح، ولهذا دارت أحكام هذا التكليف على تحقيق هذا التوفيق، ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، وهو ما تفرد به الإسلام من دون سائر الشرائع السماوية والوضعية على السواء.

ولا ريب أن التوجيه الإلهي، تنداح أمامه بوارق الظنون، وتخيلات الأوهام، وغمائم الفروض والاحتمالات، ويحول دون الانسياق الأعمى وراء الشهوات من المال والجنس، واطراح الفضائل والكمالات النفسية، في غفلة عن منطق العقل، ويقظة الضمير، وخلقية الإرادة الحرة، لموضوعية ذلك التوجيه، وشموله، وحقِّيَّتِهِ، ومعقوليته، وعدله المطلق، وهذه الملكات العليا من العقل والضمير والإرادة، هي التي تولاها التشريع الإسلامي بالتبصير والإحياء والتقويم، بالعقيدة والتشريع معاً، فضلاً عن بسطه سلطان الروح، وهيمنة العقيدة النقية على النفوس.

الرابع: عنصر الواجب في مفهوم الحق والحرية، عنصر جوهري في التشريع الإسلامي، نهض به التكليف، والتكليف إلزام، فضلاً عن أنه مؤيَّدٌ بالمعتقد، وبسلطان الدولة إذا خف وازع الدين.

عنصر الاعتقاد مؤيِّد قوي لعنصر الواجب في مفهوم الحق والحرية عملاً وتشريعاً، بما ينشأ عنه من وازع الدين، وهذا –إذا صح- كان أبلغ أثراً، وأضمن نتائج من الوازع السلطوي الخارجي، بلا مراء.

التفات بعض علماء الاجتماع في أوروبة في القرون الأخيرة إلى "عنصر الواجب" في مفهوم الحق، وضرورة إقامة النظام الاجتماعي على أساسه، مشتقاً من قواعد الدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير