تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن عنصر "الغيرية" جوهري في مفهوم الحق الفردي في شرع الإسلام، وهو "المعنى الاجتماعي والإنساني" الذي مكَّن له الشارع الإسلامي في الحقوق الفردية كافة لينفي عنها معنى الفردية المطلق، تحقيقاً للتكافل الاجتماعي الملزم، كما بينا، ترى ذلك بيناً في قول الإمام الشاطبي: "وأيضاً، ففي العادات – الحقوق والحريات- "حق الله" تعالى من جهة وجه الكسب، ووجه الانتفاع، لأن حق الغير محافَظٌ عليه شرعاً، أيضاً، ولا خيرة فيه للعبد، فهو حق الله تعالى صِرْفاً في حق الغير (63) .. " وفي قوله أيضاً في موضع آخر، "فإن ما هو لله، فهو لله، وما كان للعبد، فراجع إلى الله، من جهة حق الله فيه (64) ".

فتبين بجلاء، أن التشريع الإسلامي قد ضمَّن الحق الفردي معنى جديداً (65) لم يكن معروفاً في الشرائع من قبل، هو عنصر "الواجب" بالنسبة إلى حق الغير من الفرد أو المجتمع أو الأمة بعامة، بل ولا في الشرائع الوضعية الحديثة إلا منذ عهد قريب، وعلى نحو ضيق ومبهم، فضلاً عن اعتراف الإسلام بحق الفرد، وبحق المجتمع معاً على سواء، دون تطرف بإلغاء أي منهما على حساب الآخر.

وبيان ذلك، أن المحرَّم في جميع الشرائع، هو الاعتداء على حق الغير بالمجاوزة، وهذا فعل ممنوع لذاته، لخروجه عن حدود الحق الموضوعية، وليس المقصود بالمحافظة على حق الغير –في الإسلام- هذا المعنى فحسب، بل المراد –كما أشار الإمام الشاطبي- إن حق الغير محافظ عليه شرعاً، إبان استعمال الفرد لحقه كسباً وانتفاعاً، على حد تعبيره، ولو ضمن حدود حقه الموضوعية، ودون مجاوزة، صوناً للغير من إلحاق الضرر البيِّن به، فرداً كان ذلك الغير أو مجتمعاً، تحت ستار التصرف في الحق، باتخاذه ذريعة إلى ذلك، أو بالتذرع بأي فعل ظاهر الجواز، لتحقيق غرض غير مشروع، حتى يكون الفعل معيباً في غرضه، وإن كان –من حيث الأصل- مشروعاً في ذاته، فتسقط مشروعية الفعل، كما تسقط أيضاً إذا أفضى من تلقاء نفسه ودون قصد من صاحبه، إلى مآل ضرري، بل ولو كان القصد حسناً، على ما سيأتي بيانه، لأن التشريع الإسلامي ينظر أيضاً إلى مآل (66) التصرف في حد ذاته، أو إلى واقعة الضرر المادية المتوقعة أو الواقعة في المجتمع، من حيث هي، ولو كانت ثمرة لاستعمال حق، بقطع النظر عن العناصر الذاتية لصاحب الحق في مثل هذه الحال، ويحول دون وقوعها، دفعاً لها، أو رفعاً لها بعد الوقوع ولو كان القصد حسناً، إعمالاً للقاعدة المُحكمة: "يدفع الضرر بقدر الإمكان" ولقول الإمام الشاطبي: "والأشياء إنما تحل وتحرم بمآلاتها (67) " رعاية لحق المجتمع، إذ لا يسع الفرد –في التشريع الإسلامي- الانفصال عن مجتمعه بحال، ولا يملك الخيرة في الترخص من وجوب تكافله معه تكافلاً حقيقياً حيوياً ملزماً، وهذا كما يشير إليه الإمام الشاطبي من باب "الحكم على الخاصة لأجل العامة (68) " أي من باب الحكم على الفرد من أجل مصلحة المجتمع، نفياً للتناقض، بل يوغل التشريع الإسلامي في رعاية حق المجتمع إزاء المصلحة الخاصة، فيرسي أساساً تشريعياً يستند إليه وجوب التكافل، بأن جعل للمجتمع حقاً يتعلق بحق الفرد، ولا سيما وقت الأزمات الطارئة، وهذا "التكافل" يمثل "عنصر الواجب" في مفهوم الحق الخاص، فإذا نظرنا إلى منشأ الحق، وهو "التكليف" مؤيَّداً بالمسؤولية، ثم نظرنا إلى "عنصر الواجب" فيه، حقاً للمجتمع، تأدى بنا ذلك بالضرورة إلى أن "الحقوق" في النظرية العامة للتشريع الإسلامي قد آلت إلى أن تكون "واجبات" بمقتضى أصل التكليف، قبل أن تكون حقوقاً وحريات. أما أن للمجتمع حقاً قد شرعه الإسلام متعلقاً بحق الفرد، أثراً للمعنى الاجتماعي والإنساني فيه، وهو المعنى الجديد الذي أشرنا إليه، فإنك لواجد هذا بيِّناً صريحاً في تعليلات الفقهاء، وهم بصدد التدليل على حرمة التصرف في حق الملكية على وجه الاحتكار مثلاً، تربصاً بالناس الغلاء فيما يحتاجون إليه من مقومات حياتهم الأساسية، مما ورد في السنة (69) الثابتة بما يفيد كونه جريمة كبرى (70)، ولو كان هذا التصرف في الأصل استعمالاً لحق، لكنه لما كان على وجه يضر بالمجتمع ضرراً بالغاً من حيث أثره ومآله، كان ظلماً، والظلم حرام، تجد هذا في تعليل أئمة الحنفية مثلاً، وعلى رأسهم الإمام الكاساني –سلطان العلماء- حيث يقول: "ولأن الاحتكار من باب الظلم، فقد تعلق به حق العامة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير