تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يستند الأصل العام الذي يقضي بتقديم المصلحة العامة على الخاصة عند التعارض، وعدم إمكان التوفيق، إلى ملحظ تشريعي عميق الصلة بالواقع الإنساني المعاش، وهو جدير بالتقدير.

وبيان ذلك: أن تحقيق ما تقتضيه المصلحة العامة، شرط أساسي تتوقف عليه- في الواقع- إمكانية الفرد من تحقيق مصالحه الذاتية المباشرة والحالَّة، إذ الفرد ليس بطبيعته منعزلاً عن المجتمع، بل لا يسعه العيش- بحكم كونه كائناً اجتماعياً- إلا في وسط اجتماعي، هذا الوسط الاجتماعي الذي تتوقف عليه حياة الإنسان الفرد في تلبية مطالبه، ذو مصلحة عامة، هي بعينها شرط أيضاً تتوقف عليه إمكانية الفرد لتحقيق مصالحه، والتمتع بحقوقه وحرياته على الوجه الكامل الذي يليق بإنسانية الإنسان.

ويترتب على هذا، أن مناقضة المصلحة العامة تعود إلى الفرد نفسه بالضرر المحقق حالاً أو مآلاً، لانهيار شروط إمكانية تمتعه بحقوقه، بالمناقضة، فإذا أدرك الأفراد هذه الحقيقة الواقعية في العالم الإنساني المعاش، عن بصيرة ووعي، ألزموا أنفسهم تلقائياً برعاية هذا الشرط، والعمل جدياً على عدم انخرامه أو تخلفه، ليتمكنوا من استيفاء حقوقهم المشروعة على الوجه الأكمل، إذ لا تحقق لشيء بفوات شرطه الذي يتوقف عليه وجوده، أو صحته أو كماله، دون أن ينتاب ذلك، أو يلزم عنه، ضرر أو فساد راجح. وهذا من قضايا العقل والدين، وتنهض به سياسة التشريع الإسلامي التي تقوم بدورها على مقومات ترجع كلها إلى استقامة أمر المعاش والمعاد، ومن أهمها قاعدة: "ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب" وهذا هو "عنصر الواجب" في مفهوم الحق الفردي كما قدمنا، الأمر الذي يؤول إلى المعنى الاجتماعي والإنساني في ملاك معناه، وقوام أمره، كما يؤول إلى توفير إمكانية تحصيله والتمتع بثمراته، فالشرط هنا لحفظ الكيان –كما ترى- كيلا يفضى تخلف الشرط إلى انتقائه، وإلا فلماذا كان تحقق المعنى الاجتماعي في مفهوم الحق الفردي مناط المشروعية في استعماله؟؟؟!!

تهاون الأفراد في رعاية المصلحة العامة، مرده –في الأصل- عدم توافر الوعي الكامل لإدراك هاتيك الصلة الوثقى التي وثقها الإسلام بين الحرية الفردية وبين المصلحة العامة، استجابة للواقع الإنساني المعاش، فضلاً عن الأثرة والأنانية:

ليس تهاون الأفراد –إبان ممارستهم لما منحوا من حريات وحقوق- في رعاية المصلحة العامة، ناجماً عن وعي عميق مدرك للصلة الوثقى المُحْكَمة التي أنشأها الإسلام بين المصلحة الخاصة والعامة، نزولاً على مقتضيات الواقع الإنساني، بل عن غفلة، ومحدودية ثقافة أو تعقل، أو قصور إدراك غالباً، وقد تغلب الأنانية والأثرة والجشع أحياناً.

هذا، وتتأثر المصلحة العامة عادة بتغير الظروف، والظروف بالناس قُلَّب، فوجب ملاحظة هذه العوارض، فيتغير الحكم لذلك بتغير ما تقتضيه المصلحة، ولا سيما المصلحة العامة، وقد أدرك هذا المعنى بعض الفقهاء المحدثين، فعبر عن ذلك بقوله: "إنما ترتبط جميع الأحكام (79) بالمصالح، إذ الغاية منها، جلب المنافع، ودرء المفاسد، حتى إن الرسول (كان ينهى عن الشيء لمصلحة تقتضيه، ثم يبيحه، إذا تغيرت الحال، وصارت المصلحة في إباحته، فغاية الشرع هو المصلحة (80) ".

والذي يفهم من هذا، إن "المصلحة" بما هي غاية التشريع، وأساس أحكامه، جملة وتفصيلاً، وعنصر معقوليته، فيما يتعلق بالمعاملات، يدل دلالة بينة على مدى وثوق الصلة بين هذا التشريع، والواقع الحيوي المعاش، في كل عصر وبيئة، ذلك، لأن "المصلحة" إنما تعني الحاجات والمطالب التي يفتقر إليها الإنسان الفرد، والأمة، والدولة على السواء، ولا ريب أن في بناء الأحكام المناسبة على هذه الحاجات والمطالب الحيوية التي تسمى "مصالح" استجابة واقعية لها، وتحقيقاً عملياً، بلا مراء، والإسلام وضع قواعد التنسيق عند التعارض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير