تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معنى الجِدَّة في مفهوم الحق والحرية في الإسلام، منشؤه كون الحق الفردي، وحق المجتمع، كليهما معترفاً به في تشريعه، وعلى قدم المساواة من الاعتبار في غير محل العوارض، والتضاد الطارئ، وكلاهما يمثلان "القيمة المحورية" التي يدور عليها التشريع كله، أحكاماً، وقواعد، ومبادئ، ومقاصد أساسية، دون إلغاء لأي منهما، أو تطرف نحو اليمين أو اليسار، وهذا المنطق التشريعي اقتضى كون "المعنى الاجتماعي" عنصراً تكوينياً في مفهوم الحق الفردي، رعاية لحق المجتمع إبان التصرف الفردي في الحق، وهذا هو معنى التكافل الملزم، أو الوظيفة الاجتماعية للحق والحرية، وهو ما صوره حديث السفينة أروع تصوير، وإن أخذت التشريعات الوضعية –في عصرنا هذا- تبتعد عن التطرف، وتقترب من المعنى الجديد الذي جاء به الإسلام على تفاوت فيما بينها.

تتبدى عبقرية التشريع الإسلامي حقاً في أنه لم يتجاهل أياً من مكونات الواقع، من الفرد أو المجتمع، لأنه تشريع موضوعي، وليس ثمرة للإرادات الإنسانية المتغيرة بما يحركها من نوازع وأهواء، أو انفعالات حادة حتى يكون صدى لردود الفعل، بل هو تنزيل من حكيم حميد، فكل من الفرد والمجتمع، ذو حق معتبر، وأساسي في هذا التشريع، وذو مصلحة راجعة إلى كل منهما، ومختصة به، وليست حصيلة لمصالح الآخر، غير أن ثمَّة صلة وثقى تربط بينهما، يؤكدها ويُعلي من قيمتها واعتبارها ورعايتها، وحدة المصير، ولا يجوز التصرف من قبل أي منهما، أو ممن يمثلهما، على نحو يعود على هذه الصلة بالنقض، لما يفضي إليه ذلك، من وخيم العواقب، كما رأينا، ولهذا تجب رعاية مصلحة كل منهما على سواء، دون وكس أو شطط، فلا يجيز أن يبغي أحدهما على الآخر، منعاً من الإخلال بمبدأ "التوازن" بينهما، ما أمكن، فلا الفرد يُبخس حقه فيما يملك، وإنما يمنع من التعسف فيه، ولا المجتمع يهضم حقه، ويُجار عليه فيما يُصلح من شأنه، ويمهد السبيل لازدهاره ورخائه، وتنميته، عملاً بقوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم (والآية الكريمة بعمومها، شاملة لهما معاً –كما ترى- مما يدل على أن الإسلام يعتبر إلغاء أي منهما، ظلماً كبيراً، لأن النهي إذا انصب على ما يهدم الحق في العصمه، وفي المال، كان للتحريم قطعاً، فلأن ينصب على استئصاله جملة، من باب أولى:

يرشد إلى هذا تقسيم الأصوليين الحق إلى قسمين: حق الفرد، وحق المجتمع (84).

هذا، والإمام مالك –رحمه الله تعالى- ضرب لنا مثلاً لذلك، فهو إذ يقر التسعير الجبري العادل، مؤيِّداً لمقاومة "الاحتكار" وكسره، قد استند إلى مبدأ وجوب رعاية "الحقين" معاً، توفيقاً بينهما، وتحقيقاً لكل من المصلحتين: مصلحة الفرد، ومصلحة المجتمع على سواء، والتوفيق –كما نعلم- يرفع التعارض أو التضاد بينهما، وهذان الحقان هما "القيمة المحورية (85) " التي يدور عليها التشريع كله –كما ذكرنا- تجد هذا المعنى ملحوظاً في تعليله لوجوب التسعير الجبري العادل، حين تعين وسيلة لرعاية الحقين، حيث يقول: "ويَمنَحُ البائع ربحاً معقولاً، ولا يسوِّغ –أي ولي الأمر- له- للبائع المحتكر- ما يضر بالناس (86) ".

فرعاية حق البائع، تتمثل في الربح المعقول، دون بخس أو شطط، ورعاية حق الناس (المجتمع) تتمثل في سداد حاجاتهم، دون مغالاة أو استغلال، وبذلك يتحقق التوازن" بين الحقين، وهو قوام العدل في التعامل، دون افتئات على أحدهما، أو استغلال للأزمات.

ولو رحنا نحتكم إلى القياس الأولوي على ما ورد في السنة الثابتة في هذا الصدد، لرأينا ما يؤكد هذا المعنى بصورة أوضح، فقد عرضت السنَّة قضية الأنصاري مع سَمُرة بن جندب، حين اشتكى الأول –وهو صاحب البستان- تأذِّيه من استطراق سَمُرة بستانه للوصول إلى نخلته القائمة فيه، اشتكى ذلك لرسول الله (فقال –عليه السلام- لصاحب النخلة- سمرة: "بِعْهُ نخلتك" فأبى سمرة، ثم قال –عليه السلام- "فهَبْهُ إياها، ولك مثلها في الجنة" فأبى، فقال الرسول (لسمرة صاحب النخلة: "إنما أنت مضارٌّ، ولا ضَرَر ولا ضِرار في الإسلام (87) " فلا احترام إذن للملكية الفردية المضارّة، إذ لم تشرع في الإسلام لهذا الغرض أصلاً، ويجب استئصال شأفة منشأ الضرر الراجح، رعاية لحق الغير (88)، ومنعاً من تعنت المالك إذا ارتكب متن الشطط في المضارة، والرسول (هو ولي الأمر في الأمة، وإذا كان هذا هو الحكم بالنسبة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير