تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتلخص، أن وجوب استثمار الأموال بعامة –لا الأراضي فحسب- حلاً للأزمات الاقتصادية- وتوجيه هذا الاستثمار على ضوء ما تقتضيه ظروف المجتمع، تحقيقاً للوظيفة الاجتماعية التي خُلقَت الأموال ومنحت لأربابها، من أجلها، أمر واجب الأداء شرعاً، لأن المالك مسؤول شرعاً عن أداء تلك الوظيفة مسؤولية دنيوية وأخروية معاً، وولي الأمر مسؤول أيضاً عن أدائها، لأن رعايته للمصلحة العامة، هي أساس مشروعية ولايته على الأمة وفي هذا يقول بعض الباحثين المحدثين: "أما كيف يكون تنفيذ ولي الأمر لهذا التكليف، ضرورة القيام باستثمار الأموال، فهذا أمر تعالجه السياسة الشرعية في كل بلد إسلامي على ضوء ظروف هذا البلد، وطبيعة الموارد المعطلة، وتحديد مدة التعطيل التي تجيز تدخل ولي الأمر، إذ لا بد أن تتفاوت هذه المدة بحسب طبيعة المورد، من أرض قابلة للزراعة، أو منجم، أو مصنع، أو متجر، وعلى ضوء الأسباب التي أدت إلى هذا التعطيل، هل كانت مجرد عناد واستكبار من المالك، أو كانت لأسباب قهرية، لا قِبَلَ له وحده بالتغلب عليها؟ (92) ".

على أن الأصولي المحقق الإمام الشاطبي قد سبق إلى تقرير هذا المعنى بقرون حيث أتى بالأساس الفقهي الذي يقوم عليه وجوب استثمار الأموال كافة، أداء لما لها من وظيفة اجتماعية تتصل بمقاصد التشريع الأساسية، لا بفرع جزئي أو حكم تفصيلي فحسب، ترى هذا الأساس أو الأصل الفقهي العام مشاراً إليه في قوله انه: "من ضروريِّ الحفظ خشية ألا يَفِي، أو أنْ يَفْنى (93) ".

ومعنى هذا، أن حفظ المال عن طريق تنميته واستثماره، واقع في مرتبة "الضروريات" وهي أعلى مقاصد التشريع اعتباراً ورتبة وأهمية، ومن ثم فلا يجوز العمل- إيجاباً أو سلباً- على إهدار مقصد من هذه المقاصد الأساسية، للضرر البالغ الذي ينتاب المجتمع، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي معللاً باعتبار المآل، ذلك لأن إهمال تنمية المال يُفضي إلى أحد أمرين، مآلاً، وكلاهما محرم المصير إليه:

أحدهما: خشية ألا يفي المال بحاجات المجتمع المتعددة، فيقع في أزمات اقتصادية حادة.

الثاني: خشية فناء المال بالاستهلاك، إذ ليس ثمة من استثمار للمال، أو إنتاج يقوم بديلاً عن المال المستهلك، وهذا دمار محقق، بفناء المال الذي هو قوام المجتمع.

ما المقصود بالمصلحة التي شرع الحق من أجلها، بحيث يكون تحقيقها أداء لما للحق من وظيفة اجتماعية.

قدمنا آنفاً، أن مبدأ التكافل الاجتماعي والاقتصادي والعسكري والسياسي الملزم في التشريع الإسلامي الذي ينهض بالمحافظة على حق الغير في المواقف السلبية والإيجابية على السواء، تنفيذاً لمقتضاه في الواقع المعاش، أقول هذا المبدأ يستمد تفسيره من الأصول الاعتقادية الدينية (94)، والأخلاقية، فضلاً عن الأصول التشريعية، إذ لا فصل بينها في هذا التشريع، مما ينعكس أثره بالتالي على مفهوم الحق الفردي، فيجعله ذا معنى فردي واجتماعي معاً، هو أساس وظيفته الاجتماعية، ومناط المشروعية والعدل فيه، تصرفاً واستعمالاً، مما ينأى به عن مفهوم الفردية المطلق، ويقضي بالتالي على البواعث غير الإنسانية، ويحول دون التسبب في الإضرار بالمصلحة العامة، ولو عن سذاجة وغفلة بسلطان الدولة إن لم يتم ذلك اختياراً على ما بينا من تصوير ذلك مجسداً في حديث السفينة، لأن العدل، والمصلحة العامة، لا يتركان للإرادات الفردية المطلقة!!.

وعلى هذا، فالمصلحة التي شرع الحق من أجلها، ليست ذاتية فردية مطلقة أيضاً، كالحق تماماً، وآية ذلك، أنك ترى الإسلام يوجب على الفرد أن يكون متكافلاً مع نفسه أولاً، بحيث لا يخل بمعناه في حق نفسه، ولهذا، كان "حق الحياة" –وهو أعظم حقوق الإنسان قيمة، وأعلاها شأناً، وأعظمها أثراً- ملحوظاً فيه المعنى الاجتماعي، والديني، فهو حق وواجب معاً، في نظر الإسلام، فإذا كان من حق الإنسان أن يحيا، فإن من واجبه أن يحيا كذلك، وهذا "الواجب" أداؤه حق خالص لله تعالى في حياة كل إنسان، لتحقيق "العبودية" لله تعالى أولاً: (وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون (وحق للمجتمع الإنساني أيضاً، لاتصاله بأمانة التكليف، وعمارة الدنيا، على مقتضى النظر الشرعي، معنى ومقصداً، وإمضاء لسنة الابتلاء التي قام عليها أصل التكليف، بل الوجود الإنساني كله: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير