تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مباشرة، لا عن طريق (العلة) أي بطريق غير مباشر، فكان هذا الأخير أتم اتساقا، وأقوى فاعلية، لطبيعة التشريع، وأداء وظائفه من (القياس الجزئي الخاص) بلا مراء!! وأدنى إلى تحقيق قصد الشارع.

على أن مما يغني عن (القياس الأصولي) الفروعي في أصله، والظني من حيث حكمه يغني عنه (العموم المعنوي) الثابت قطعا بالاستقرار التام للجزئيات ـ على حد تعبير الامام الشاطبي ـ بحيث يتصفح المجتهد الجزيئات الواردة في السنة الثابتة، وفي القرآن الكريم ـ وهي جزئيات قليلة نسبيا ـ كما ذكرناه فيستخلص من كل طائفة من تلك الجزئيات (معنى عاما) يسلكها جميعا وإن اختلفت موضوعاتها، وبذلك لا يكتفي المجتهد بالصيغ العامة الواردة في الكتاب والسنة، بل يمتد اجتهاده إلى اقتناص (المعاني العامة) أيضاً ارتقاء من تفصيلات الفروع الجزئية المختلفة موضوعاتها إلى أفق رحب من (المعاني الكلية) وهذا (اجتهاد تأصيلي عام) ـ كما ترى ـ يكسب التشريع مرونة عجيبة في الاستجابة لمتغيرات الزمن، وتطوير الحياة بالناس، ويستغنى به عن (القياس) في كثير من المجالات ثم هو ـ آخر الأمر ـ تكييف للاجتهاد التشريعي بما يتفق مع (المنهج الكلي) الذي صاغه الله تعالى في بيانه للأحكام في كتابه العزيز.

وفي هذا المعنى يقول الامام الشاطبي مشيرا إلى تضييق (هوة الخلف) في الاجتهاد الفرعي الفقهي، وأنه أدعى إلى (التقريب) بين وجهات النظر طالما كان منطلقه العموم الكلي في صيغه العامة في أصل وضعها اللغوي، أو في (العموم المعنوي) الثابت قطعا عن طريق الاستقراء التام في (الاجتهاد التأصيلي) اتساقا مع طبيعة (المنهج القرآني) في معظمه كما بينا، وهذا بلا ريب منهج أصولي علمي تشريعي يضبط ـ كما أشرنا ـ عملية الاجتهاد لتجري على (منطق عام محكم) من شأنه ألا يفتح وليجة أو سبيلا إلى الاختلاف العميق الجذري الذي لا يتأتى معه توفيق ـ لكان (التناقض) فيه ـ نتيجة للاجتهاد بالرأي في المسائل التفصيلية التي بحثت على استقلال، دون إدراجها في (المفاهيم الكلية) نصا أو دلالة، وهذا يعتبر أكبر عامل مؤثر في تشتت التوجه لدى الأمة الإسلاميّة بعامة؛ لمكان (النتائج) التي هي مآلات التطبيق الجزئي المستقل، مما لا يرضي عنه الشارع الحكيم على النحو الذي نراه لدى الاجتهاد الفروعي في المذاهب المختلفة.

الاجتهاد والاستقراء:

وفي هذا المعنى يقول الامام الشاطبي المدل العريق بسعة أفقه العلمي الأصولي والمتصل بمقاصد الشريعة الأساسية بما تشكل من (كليات الغايات) للمصالح المعتبرة ـ ما نصه:

(العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط، بل له طريقان:

أحدهما: الصيغ إذا وردت، هو المشهور في كلام أهل الأصول.

الثاني: استقراء مواقع المعنى، حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام، فيجري في الحكم مجرى (العموم المستفاد من الصيغ) ثم يقيم الأدلة على صحة هذه القضية في الاستدلال) (4).

هذا، ويؤكد الإمام الشاطبي ضرورة هذا (الاجتهاد التأصيلي) عن طريق الاستقراء التام في جزئيات الأدلة من الكتاب والسنة، ضبطا لعملية الاجتهاد أن تتخالف أو تتناقض مع منطق التشريع العام أو روحه، بحيث تجري على نظام واحد، وترتيب لا اختلال فيه، لمكان اتساق الجزئي مع مفهوم كليه، بقوله فيما نصه:

(إن المقصود بالكلي هنا: أن تجري أمور الخلق على ترتيب ونظام واحد، لا تفاوت فيه، ولا اختلاف، وإهمال القصد في الجزئيات يرجع إلى إهمال القصد في الكليات، فإنه ـ مع الإهمال ـ لا يجري كليا بالقصد، وقد فرضناه كليا، هذا خلف ـ أي: تناقض ـ فلابد من (صحة القصد) إلى حصول الجزئيات، وليس البعض في ذلك أولى من البعض، فانحتم القصد إلى الجميع وهو المطلوب) (5).

هذا بيان دقيق حقا، مؤداه: أنه لا يجعل للاجتهاد الفروعي وليجة ينفذ منها إلى نشوء الخلاف القائم على (التناقض المستحكم) الذي من شأنه أن يمس (مبدأ المشروعية العليا) مآلا، وذلك بأن يشتت (التوجيهات التشريعية) في الأمة، أو يحمل على (التناقض) في التصورات الذهنية الجزئية، مما ينعكس بالتالي سلبيا على كيان المجتمع الإسلامي كله، فتنتقض بذلك عرى التآلف والتواد جراء هذا (التناقض) الذي اتسعت رحابه، إذ لا تتم وحدة سياسية، واجتماعية، واقتصادية إلاّ بالاستناد إلى وحدة أحكام التشريع ـ جزئيا وكليا ـ معا، حسب ما يقتضيه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير