تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العصر.

والشارع الحكيم قد شرع ابتداء في القرآن العظيم (الكليات) ـ كما ذكرنا ـ إيماء إلى أن ينبغي اتخاذها أساسا لكل ما يتفرع من جزئيات لوحدة المناط فيهما، وإذا كانت (الكليات) قد شرعها الشارع الحكيم بالقصد إليها حتما، و إلاّ ما أنزلها وحيا ابتداء، فكذلك (الجزئيات) ينبغي أن تفهم وتطبق أيضاً في ضوء كلياتها، فتكون (الكليات والجزئيات) كلتاهما ـ على هذا النظرـ مشروعتين بالقصد إليهما شرعا، دون انفصال إحداهما عن الأخرى استقلالا، ونتيجة لذلك: أن كل مسألة أو واقعة تطرأ ينبغي أن يتحقق فيها (مفهوم كلي) يتعلق بها مناطه كاملا، وإلاّ ما كان الجزئي تطبيقا لكلية ـ والفرض أنه مطابقه مناطا ـ كيلا يؤول الأمر بالمسلمين ـ من حيث نظام تشريعهم ـ ان يصبحوا مأخوذين بهذا التخالف، أو التناقض، فيما يفرزه الاجتهاد من أحكام في المسائل أو الجزئيات المعروضة، فيفضي ذلك حتما إلى (الإخلال بتوازن المجتمع الإسلامي في كياناته الأساسية من الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، إخلالا ماديا ومعنويا معا) ومن شان ذلك ان يحول بالضرورة دون أداء التشريع وظائفه التي أنزل من اجلها، فضلا من ان يحول دون السعي الحثيث الجاد والمخلص لتحقيق (الوحدة الإسلاميّة) المفروضة شرعا على الأمة الإسلاميّة قاطبة!! إذ انجاز الوحدة معلوم من الدين بالضرورة أو على هذا فلابد ان تكون تلك المفاهيم الكلية التشريعية في القرآن الكريم. ملكات عقلية راسخة تهيمن على التعقل الاجتهادي وتوجهه لتصبح تلك الملكات بصائر منيرة، ولعل في قوله تعالى: (قد جاء كم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها) (6). إشارة إلى هذا المعنى!!.

وبذلك التوجيه الإلهي الحكيم. يتحدد بل ويستقيم الاتجاه العام للمسلمين فيما يحقق مصالحهم المتعلقة بتلك الأحكام الفروعية، المتكاثرة والمتطورة المندرجة في مفاهيمها الكلية!.

الأساس التشريعي للوحدة:

وفضلا عن ذلك فقد وضع التشريع الإلهي ـ حرصا منه تعالى على تحقيق وحدة المسلمين ـ وضع كافة (الأساسيات) التشريعية (التي تستند إليها هذه (الوحدة في شتى أقطارهم، تلك (الأساسيات) الثابتة في التشريع الإسلامي على سبيل (القطع) مما لا يملك أحد أن يخالف أمرها، شرعها سبيلا ميسرا لإقامة هذه (الوحدة) مما يدل دلالة صريحة على بلوغ هذه (الوحدة) في التقدير الإلهي مبلغ أسمى فرائضه بدليل أنه فرض وحدة الأمة وشرع لها وسائل تحقيقها من الأساسيات الثابته على سبيل القطع، أي: أنه تعالى شرع الغاية والوسيلة العملية لتحقيقها، والأمة الإسلاميّة ـ مهما تعددت حكوماتها وأقطارها ـ مأخوذة ومسؤولة حتما عن أداء هذا الفرض العظيم وإنجازه من الناحية الدينية، ومن الناحية السياسية بوجه خاص، فضلا عن الناحية الاجتماعية والاقتصادية لقوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (7) وقوله عز وجل: (ان هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) (8) ثم نهى سبحانه نهيا صريحا يفيد التحريم القاطع عن التفرق والتنازع بقوله جل شأنه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (9) مما يدل على أن (التقاعس) عن أداء هذا الفرض الذي هو من أجل الفرائض يؤدي حتما إلى انفراط عقد الأمة وانهيار قواها المادية، والمعنوية، وظهور الأعداء عليها بصريح النص الآنف الذكر! ومن المعلوم أصوليا: أن النهي عن الشيء أمر بضده!!.

هذا الذي أتى به الامام الشاطبي، الأصولي المبتكر المجدد في رسمه لمنهج الاجتهاد في الاستنباط للأحكام التي تفتقر إليها الحوادث أو الوقائع المتكاثرة عبر الزمن، بمقتضى سنة التطور في الحياة الإنسانية، لم نر أحدا من فحول الأصوليين: كالإمام الغزالي والآمدي، والعز بن عبد السلام، وغيرهم. لم نر أحدا من مثل هؤلاء الأصوليين الأقحاح، من تطرق إلى هذا منهم قد أبدى اعتراضا عليه، أو أتى بما ينقضه، فكان ذلك (إجماعا اصوليا) على صحة هذا (المنهج التأصيلي) الذي يتجه بجمعه إلى تحقيق مقصد الشارع من التشريع، جزئيا وكليا، استيحاء من المنهج القرآني الكلي في تقريره للأحكام، لما يتسم به من (العمومية، والإطلاق)، فضلا عن (المفاهيم الكلية) التي تتفق مع طبيعة التشريع نفسه علميا، وفي كل عصر وبيئة وذلك من آيات خلود الشريعة وديمومتها بلا مراءا، ولهذا قال الامام الشاطبي: شرعت أحكام القرآن على وجه كلي وعام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير