تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومطلق.

هذا، وكل أمر ـ من التشريع العملي الفروعي الاجتهادي ـ مختلف فيه لو رد إلى (المفهوم الكلي) الذي يتحقق مناطه فيه لارتفع الخلاف غالبا، أو على الأقل لو بقي الخلاف لما كان جذريا يغوص في أعماق (التناقض) الذي خيل بالتصور الذهني الاجتهادي أولا، كما يخل بالنظام المحكم الذي شرعه الله تعالى، وهذا محال، لأن شرع الله تعالى لا تناقض فيه، ولان هذا ينبئ إما عن العجز عن إدراك حقائق الأمور، أو عن العبث، وكلاهما محال عليه سبحانه، ولعل هذا هو المعني بقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (10)!!.

وفي هذا المعنى الجليل يقول الامام الشاطبي ما نصه: (لقد ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الدنيوية والاخروية ابتداء، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات، أو التحسينات، فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو تختل أحكامها لم يكن التشريع موضوعا لها، إذ ليس كونها (مصالح) إذ ذاك، بأولى من كونها (مفاسد)، ولكن الشارع قاصد بها أن تكون (مصالح) على الإطلاق، فلابد أن يكون وضعها على ذلك الوجه، أبديا، وكليا، وعاما ومطلقا، في جميع أنوا ع التكليف والمكلفين، وجميع الأحوال) (11).

فتلخص لدينا: أن ما وضعه الإمام الشاطبي من قواعد أصولية، ومن منهج علمي مرسوم يتفق ومنهج الشارع نفسه في تشريعه للأحكام في القرآن العظيم كما بينا، وينبغي أن يتم الاجتهاد الفروعي الدؤوب المتواصل على غرار (المنهج التأصيلي) بما يصون منطقية التشريع، واتساق نظامه المحكم، بحيث لا يعتريه اختلال ولا تناقض، لا بحسب الجزء، ولا بحسب الكل، إقامة للمصالح الحقيقية وتنميتها، والحفاظ عليها، إذ بالاختلال تنقلب المصالح مفاسد، والعكس صحيح، وذلك مناقض للشارع كفاحا، والمناقضة باطلة، بل ومحرمة قطعا فيما يؤدي إليها مثلها!!.

فثبت أن هذا (المنهج التأصيلي العلمي) الذي يتفق وطبيعة التشريع نفسه ـ فضلا عن التشريع الإلهي ـ هو الكفيل بتدبير شؤون الأمة بما يحقق مصالح الدنيا والآخرة دون افتئات، أو اختلال ما وضع لها من نظام، لا بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، كما يرفع أسباب الخلاف الجذري المستحكم في الفروع، أو ـ على الأقل ـ يضيق من هوته، فلا ينخرم مع هذا المنهج نظام المصالح بجميع مراتبها من حيث قوة أثرها في المجتمع الإسلامي مهما ترامت أطراف بيئاته من الضروريات، أو الحاجات، أو التحسينيات، بحيث لا يتخلف حكم فرعي عملي للمسائل أو الوقائع المعروضة على بساط البحث، لا يتخلف كل منها عن مفهومه الكلي، إذ لابد أن يتجه القصد في الاجتهاد إلى (الجزئي والكلي) معا؛ لأن قصد الشارع اتجه إليهما معا كيلا يقع التناقض، وهو علة بطلان الاجتهاد المتناقض، وما ينتج عنه من أحكام ـ ولا سيما فيما لم يرد فيه نص معين ـ يتناوله بخصوصه ضبطا لعملية الاجتهاد على وجهها الأصولي العلمي المرسوم أن تشتط، أو أن تعتسف المسار الاجتهادي العام الذي حددته هذه (المفاهيم الكلية) في التشريع الإسلامي كما أشرنا، لأنها لم تشرع في القرآن الكريم على هذا النحو عبثا ولا تحكما، فينبغي إذن (تحكيمها) حال طروء العوارض، أو الوقائع المستجدة، أيا كانت طبائعها، أو مجالاتها، وذلك آية خلود الشريعة بلا نزاع!!.

قاعدة المستثنيات:

إن من الأدلة القاطعة على (كمال الشريعة) أنها أقامت اعتبارا خاصا للظروف المستجدة العارضة وللأحوال الطارئة المتغايرة؛ لأن هذا من سنة الحياة المتطورة في هذا الوجود فبالإضافة إلى القواعد الكلية في التشريع الإلهي فقد شرع الله أحكاما أخرى (استثنائية) حفاظا على (المصالح) أن تنخرم، أو يفضي تطبيق الحكم العام الأصلي إلى نتائج ومآلات ـ نتيجة لتغير الظروف ـ لا يرضى الشارع عنها، بل قد تكون على (النقيض) مما يقتضيه روح التشريع العام، أو ينافي مقاصده العامة الأساسية في التشريع.

ومن هنا وضع الاصوليون واصحاب القواعد العامة (قاعدة المستثنيات)، ومن أولئك: الامام العز بن عبد السلام، إذ أدرج في كتابه القيم (قواعد الأحكام) (قاعة المستثنيات) هذه يقول فيها ما نصه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير