تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من حيث هي عامل مؤثر في النتائج، ولأن التصرفات التي يأتي بها المكلفون، أو يصدرون عنها محكومة شرعا بنتائجها، ولهذا أوجب الشارع التحقيق من (مشروعية البواعث والقصود النفسية) لما تؤدي إليه من مآلات ونتائج ولهذا رأينا الامام ابن قيم الجوزية يضع قاعدة عامة في الدوافع النفسية التي تكشف عنها الأمارات والقرائن بقوله: (القصد روح العقد، مصححه، ومبطله) أي: بالنظر إلى ما يؤول إليه الباعث من نتائج؛ لأن (الدافع النفسي) للتصرف قبل تنفيذه هو باعث مستكن في النفس، وبعد تنفيذه نتيجة ومآل وواقع في الخارج، فالتصرف إذن يصح بصحة مآله، ويفسد بفساد هذا المآل، ولولا أن التشريع الإسلامي يقيم وزنا كبيرا لمشروعية المآل لاعض الطرف عن البواعث والقصود، ولهذا احتفل بها احتفالا كبيرا جدا (إنما الأعمال بالنيات).

وكذلك الأمر إذا كان المآل والنتائج تلقائية غير مقصودة، فينبغي أن تكون على حالة مشروعة أيضاً، وإلا هدمت (المصالح) وصيرتها إلى (مفاسد)، وحكمة الشارع تأبي أن تكون مآل تطبيق شرعه بآي حال من الأحوال مفضيا إلى النقيض مما بني عليه شرعه ابتداء من جلب المصالح، ودرء الأضرار والمفاسد. وهذا هو الشأن في كل تشريع دقيق محكم، لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!! وهذا ـ في نظرنا ـ أدعى إلى (التقريب بين المذاهب الفقهية) بلا نزاع إذ اعتمدت هذه (المفاهيم الكلية) إن في الحالات العادية أو في العوارض الاستثنائية على السواء؛ لأن (وحدة الأصول والقواعد) من شأنها أن تؤدى إلى (التقارب) ان لم تكن مفضية إلى (وحدة) النظر التشريعي والاجتهادي دون ريب!!!.

تاريخ الاجتهاد:

المجتهدون في القرن الثاني الهجري بوجه خاص وما يليه حتى القرن الرابع كانوا على إحاطة تامة بأصول الشريعة وأسرارها، و (مقاصدها الأساسية العامة) التي يفتقر إلى تحقيقها كل مجتمع إنساني ليستقيم أمره، ويستوي نظام حياته دون اختلال فيه أو إهمال لأي نوع من مصالحه الحيوية التي تحفظ عليه توازنه ماديا ومعنويا، كما كان أولئك المجتهدون على تفهم عميق للأدلة التي تستند إليها تلك الأصول، وتتغيا غاياتها، متمكنين من تبين أنواعها، متبصرين بوجوه الاستدلال بها وبطرق دلالاتها اللغوية والعقلية، بعد (الركون) إلى حجية تلك الطرق بما يقدرهم على استثمار كافة طاقات النص التشريعي ـ كليا كان أم جزئيا ـ من حيث (الإبانة) عن مراد الشارع وقصد فيما شرع من الأصول العامة، ولدلائل الجزئية على السواء، تلك الدلائل التي تبين لهم أنها تطبيق دقيق للمفاهيم الكلية ـ على ما أثبته الامام الشاطبي ـ من حيث إن الشارع الحكيم قد شرعها (وسائل) عملية، وناجعة لتحقيق مقاصده ومراداته في أوسع مدى كيلا يخالف الحكم عن غايته، تطبيقا وتنفيذا، وإلا كان بطلان التصرف، إذ (الوسائل) وإن كانت في الأصل أحكاما شرعية قدرها الشارع تقديرا يحفظ صلاحيتها لتحقيق غاياتها، غير أن تلك (الغايات والمقاصد) أعظم تقديرا ووزنا، حتى إذا تقاعس الحكم عن تحقيق (الغاية) أو المقصد الشرعي من أصل تشريعه ابتداء لظروف وملابسات محتفة، أو أدى إلى نقيض مقصوده، أوقف تطبيق هذا الحكم في تلك الظروف ليطبق على هذا الواقعة المحتفة بظروفها كلي آخر، يفضي إلى (نتائج شرعية) لا تنوب عن مقاصد الشريعة الكلية، حتى لا يكون ثمة تناقض بين الجزئي والكلي في نطاق الشريعة، أو يصادم مقتضى (مبدأ المشروعية العليا) فيها على النحو الذي بسطنا القول فيه آنفا.

أقول: إن هؤلاء المجتهدين من التابعين وتابعيهم قد تفقهوا بسلفهم الصالح من (الصحابة) الكرام الذين اقتعدوا غارب (الاجتهاد الفروعي) للوقائع المتكاثرة، والمختلفة في طبائعها بفضل اتساع حركة الفتوح، إن الاجتهاد، أو القضاء أو الفتيا، أو تدبير شؤون الدولة سياسيا؛ لأن معظمهم كانوا رجال دولة، أو أعضاء في (مجلس شورى الحكم) فضلا عن كونهم مجتهدين علماء في الاستنباط بما يناسب ظروف الأمة ـ داخلا وخارجا ـ في هذه الدولة المترامية الأطراف، وإن كانت أصول تلك الأحكام ـ بادئ ذي بدء ـ مستقرة في نفوسهم بالقوة، وفي أذهانهم معاني ومقاصد استقراء اللغة وبلاغتها، وأسرارها في البيان، ثم أعقب ذلك تدوينا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير