تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتلخص: أن المقصود بالتجديد الذي أوجبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (على رأس كل مائة سنة) هو: (تجلية حقائق الإسلام) وبيان (مفاهيمه الأساسية الكلية والجزئية) مما يقوم عليه (كيانه التشريعي، والعقائدي، والعبادي، والأخلاقي) صونا لها من التزييف، أو الاختلاط، أو التشويه، أو الإبداع، إذ ربما يرين على تلك الحقائق والمفاهيم ظلمات كثيفة من الفكر الأجنبي المستورد، أو المنافي يغشي على جوهرها، أو ربما يؤثر في تعقلها تيارات ثقافية وافدة منحرفة أو معادية تمازج تلك المفاهيم، فتلتاث بها فكرة التدين، بل وحقائق هذا الدين الحنيف، أو عقائده بما تشوهها (المبتدعات العرفية) المحلية القارة، فتستقر في النفوس على أنها (حقائق من الدين) لبعد العهد بها، وتكرر وقوع تلك المبتدعات، واستحكام ألفها، أو لغفلة الناس عن زيفها وتحريفها، وهذا ـ دون ريب ـ يفتقر إلى الاجتهاد من أهله متجددا يتمثل في بحوث علمية لبيان (جوهر الدين) وإظهار (حقائقه) بما ينزع عنه شوائب التزييف والتشويه في الفهم، ويطهره مما الصق به أعداؤه من قضايا عن طريق التأويل المستكره للنصوص بما لا تحتمل، لا لغة، ولا عقلا، ولا مجازا جاريا على سنن بلاغتها في التوسع اللغوي بما نراه في كل عصر من جانب معظم المستشرقين وأقزامهم الذين يكنون للإسلام عداء متأصلا دفينا، وبما يأتون به من افتراءات ملفقة يلصقونها بالإسلام ليشككوا المسلمين في حقيقة دينهم، أو يزحزحوهم عنه، وهذا الأمر قد بلغ حدا من الأهمية والخطورة ـ في نظر الشارع ـ أن افتقر إلى بعض من المجتهدين المخلصين الأحقاء بالبيان والتبليغ على نحو ما بعث الله رسلا مكرمين.

الاجتهاد وراثة الأنبياء:

وهذا المعنى الجليل قد قرره الامام الشاطبي بأجلى بيان، حيث يقول: (فإذا بلغ الإنسان مبلغا يفهم فيه عن الشارع قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة وفي كل باب من أبوابها ـ أي: أصبح مجتهدا مطلقا ـ فقد حصل له وصف هو سبب في تنزله منزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التعليم والفتيا لما يحمل بين جنبيه من معاني النبوة، وإن لم يكن نبيا) (15).

هذا، ولا ريب أن قيام المجتهد الحق بهذه (المهمة العظمى) خلفا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفهم حقائق رسالته، ومقاصدها الأساسية العليا (وفي أدائها على الوجه الأوفى والأكمل ـ قولا وعملا ـ يعتبر واجباً قطعا، لأنه يؤديها على الوجه الذي أداها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون تقول، أو تزيد، أو تشويه، أو تحريف، أو ابتداع، ولذا بات من المتفق عليه عند جمهور الأصوليين، أن (الاجتهاد) في تفهم حقائق التشريع، وتحملها، وأدائها، والاستنباط والتطبيق على مقتضى تلك الحقائق كان واجبا كفائيا، وبه يرفع مقام المجتهد إلى مقام الجديرين بأن يخلفوا (النبوة في مهامها) لما تخفق بين جنبيه معانيها، وإن لم يكن نبيا؛ لبلوغه في معراج الاجتهاد والتجديد ـ على النحو الذي فصلنا ـ أسمى مبالغة!!!.

وفي تقرير هذا المعنى العظيم، وتأكيده، يقول الامام الشاطبي، ما نصه: ـ

(إن العالم وارث النبي، فالبيان ـ في حقه ـ لابد منه، من حيث هو عالم لما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء، وهذا معنى صحيح ثابت، ويلزم من كون العالم وارثا قيامه مقام مورثه في (البيان) وإذا كان (البيان فرضا) على الموروث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضاً، ولا فرق في (البيان) بين ما يفتقر إلى اجتهاد وبين ما هو بين في نفسه) (16).

هذا المعنى الذي يقرره الامام الشاطبي هو: من معنى (التجديد) بالمفهوم الذي حددناه بسبب وثيق!!.

وأيضا (التبليغ الذي اضطلع به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمقتضى أمر الله تعالى إياه بذلك في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من بك وان لم تفعل فما بلغت رسالته) (17) مأمور به الوارث ـ كما بينا ـ لقيامه مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فثبت قطعا أن (المجتهد المستقل غير المقلد) يحمل (أمانات ووظائف النبوة عينها) إذ لا معنى لهذا الأصل عملا، إلاّ بما يستلزم من تكاليف تلك الأمانات: (وان لم تفعل فما بلغت رسالته) أي: فما بلغت أمانته، وإلا ما كان لوصفها بالأمانة معنى أو وجه معقول!!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير