لأنه ليس ثمة إلا أثر واحد، وهو فقرة 297، وأما الفقرات الأخرى فهي تابعة له، لأن حماد بن زيد أراد أن يحتج على أبي حنيفة بروايتين ساقهما بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الأولى من حديث ابن عباس، والثانية من حديث ابن عمر، وهما في صحيح البخاري ثم لقي الحجاج بن أرطأه فسأله عن المسألة فروى له الحجاج الحديث الأول وتابعه فيه وتابع شيخه أيوب في الثاني، وزاد الحجاج رواية ثالثة موقوفة على علي بن أبي طالب وكلها تخالف ما ذهب إليه أبو حنيفة من إيجاب الدم على من لبس السراويل والخفين لمن لم يجد إزاراً أو نعلين.
فلا أدري أي صنيع للشيخ أعجب أهو تقطيعه للأثر الواحد وعدم تفريقه بين أصل المسألة وبين الروايات الأخرى المرفوعة؟
أم تناقضه في حكمه على الأثر فصحح إسناده في موضعه في ص200 وضعفه في المقدمة في ص75؟
أم إغفاله عند تقطيعه للأثر فلم يذكر الفقرتين 299، 300 ضمن الروايات الصحيحة ولا الضعيفة؟
ومن أوهامه أيضاً هداه الله سكوته عن روايات صحيحة لم يشر إليها في إحصائه المذكور منها الفقرات (305، 325،326، 337، 338، 340، 374،388، 399، 403).
[4] ص76 ثم قال الشيخ: (وعلى النقيض من هؤلاء نجد أن هناك علماء ذكروا فقط محاسن أبي حنيفة ومدحه مثل المزي في تهذيبه وكذلك من كتبوا في فضائله من علماء الحنفية.
لذلك كله آثرت أن أنقل هنا ما كتبه علامة المغرب الحافظ ابن عبد البر حتى يكون مرتكزاً من المرتكزات ينبني عليها ما بعدها لأن ابن عبد البر قد عرف بالتحقيق والإنصاف.
فقد قال رحمه الله … ثم ساق كلامه وسأنقله بنصه بعد قليل.
قال سمير: أراد الشيخ بقوله: (وعلى النقيض من هؤلاء) أن يوازن بين فعل المتأخرين الذين اقتصروا في ترجمتهم لأبي حنيفة على ذكر فضائله ومناقبه وأعرضوا عن مثالبه وفعل الأولين الذين اقتصروا على ذكر المثالب ورجح مذهب المتأخرين مع أنه لم يسمّ منهم إلا المزي وهو مع إمامته وجلالته ليس قوله بأرجح من قول المتقدمين وقد سمى الشيخ منهم ستة سوى عبد الله بن أحمد وأكملنا عدتهم عشرة وهؤلاء كلهم سوى الخطيب اقتصروا على ذكر المساوئ والمثالب فما الحجة في ترجيح المزي عليهم؟ ثم إن هؤلاء رووا اتفاق الأئمة على ذلك حتى قال عبد الله بن أبي داود يوماً لأصحابه: (ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والحسن بن صالح وأصحابه وسفيان الثوري وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه.
فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة). انظر تاريخ بغداد [13/ 394 - 395].
وروى ابن عدي في الكامل [7/ 2476] عن عبد الله بن أبي داود أنه قال: (الوقيعة في أبي حنيفة إجماعه من العلماء لأن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه وإمام الكوفة الثوري وقد تكلم فيه وإمام الحجاز مالك وقد تكلم فيه وإمام مصر الليث بن سعد وقد تكلم فيه وإمام الشام الأوزاعي وقد تكلم فيه وإمام خراسان عبد الله بن المبارك وقد تكلم فيه فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع الآفاق).
وذكر الخطيب في تاريخه [13/ 370 - 371] أسماء الأئمة الذين تكلموا في أبي حنيفة وعددهم خمسة وثلاثون منهم أيوب السختياني وجرير بن حازم وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو عوانة ومالك والأوزاعي وابن المبارك وسفيان الثوري وابن عيينة ووكيع.
فإن كان الشيخ القحطاني يريد أن يفاضل فهؤلاء أحق بالتفضيل والتقديم.
وقول الشيخ: (لذلك آثرت أن أنقل هنا ما كتبه علامة المغرب لأن ابن عبد البر قد عرف بالتحقيق والإنصاف).
قال سمير: مفهومه أن غيره ممن طعن في أبي حنيفة أو روى ذلك ممن تقدم ذكر بعضهم لم يعرفوا بالتحقيق والإنصاف!
وسأسوق كلام الحافظ ابن عبد البر كما نقله الشيخ القحطاني قال: (أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا الحد في ذلك والسبب والموجب لذلك عندهم إدخاله الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما. وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الأثر بطل القياس والنظر وكان رده لما رد من أخبار الآحاد بتأويل محتمل وكثير منه قد تقدمه إلى غيره وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي وجل ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعاً لأهل بلده كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود إلا أنه أغرق وأفرط في تنزيل النوازل هو وأصحابه والجواب فيها برأيهم واستحسانهم
¥