قال سمير: الرواية إسنادها ثابت ورواتها ثقات عدول وقد حسنها الشيخ نفسه فالاعتراض عليها لعدم قبول عقله لها معناه تكذيب رواتها من غير دليل مسوغ وكان الأولى بالشيخ السكوت وإمرارها كما وردت والعلة التي أوردها وردَّ بها الخبر عليلة إذ لا علاقة بين رفض القضاء وتحمل الأذى في سبيله، وبين جواز صدور الكلام المذكور منه كما لا يخفى.
ويلاحظ على الشيخ كثرة رده للروايات الثابتة بحجة مخالفتها للعقل ()، وفي ذلك عدة محاذير:
الأول: نسبة الكذب أو الغلط إلى الثقات العدول من غير برهان.
الثاني: أن ذلك يفضي إلى رد السنن والأحكام لأن هؤلاء هم رواتها ونقلتها.
الثالث: أن هذا المسلك يفتح الباب لسائر الفرق المخالفة والمتعصبين للمذاهب وقد دأبوا على رد الروايات الصحيحة بمثل هذه الحجج الواهية وكثيراً ما نسمع ونقرأ في كتبهم عبارة: (إن هذا يخالف العقل) أو (صريح العقل يرده) أو (كيف يعقل أن يكون كذا) ونحو ذلك والشيخ لا يخفى عليه مثل ذلك وأنه ما عبدت الأصنام وما جحدت الأسماء والصفات ولم تنفق سائر البدع والمخالفات إلا بمثل هذا الهذيان، الذي يزعمونه العقل ومن ثم قال السلف: (بيننا وبين القوم القوائم) () وقالوا: (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) ()، فجعلوا عمدة الدين الإسناد لا العقل.
وأنا على يقين أن الشيخ القحطاني لم يقصد متابعة العقلانيين في تقديم العقل وتحكيمه على النصوص لكنه توارد مع المخالفين والمتعصبة في هذا المسلك دون أن يشعر بذلك ولو قدر أن جاهلاً من متعصبة الحنفية المخالفين لمذهب السلف بل الحاقدين كالكوثري ومن على شاكلته قرأ تعليقات الشيخ لطار بها فرحاً ولا أظنه يحسن أن يفعل ما فعله الشيخ إلا ما شاء الله.
خاتمة الفصل الأول
لقد أساء الشيخ هداه الله ومن قبله الكوثري وغيره إلى أبي حنيفة رحمه الله من حيث أرادوا نصرته والذب عنه.
فإن طعن السلف في أبي حنيفة لا يكاد يطلع عليه إلا الخاصة من أهل العلم فمن تراه يعنى بقراءة كتاب (السنة) للإمام عبد الله أو (المجروحين) لابن حبان أو (الضعفاء) للعقيلي، أو (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي أو نحوها من المصنفات الكبار إلا الخواص؟
ولو فرض أن أحداً من العوام وقف على شيء من ذلك فلعله لا يلتفت إليه، لأنه لو فهم معناه، فسيجد ما يخالفه من ثناء الأئمة على أبي حنيفة رحمه الله كما في تاريخ الخطيب مثلاً حيث ابتدأ أولاً بذكر مناقبه فقال في أول سطر من ترجمته [13/ 323]: (النعمان بن ثابت، أبو حنيفة التيمي. إمام أصحاب الرأي وفقيه أهل العراق) ثم ذكر قصة امتناعه عن ولاية القضاء [ص326] ثم ساق مناقبه ابتداء من [ص325] إلى [ص368].
ثم شرع في ذكر مثالبه بعد ذلك ابتداء من [ص371] فمثل ذلك يحير بعض الخواص فضلاً عن العوام فإما أن يصرف ذهنه عن الموضوع بالكلية أو يصرفه عنه قراءته لكتب المتأخرين من أهل العلم الذين أعرضوا عن تلك المثالب كما في كتب شيوخ الإسلام: ابن تيمية وابن القيم والذهبي والمزي وابن حجر وغيرهم.
فأبى المتعصبون إلا أن يخرجوا المخبوء ويفضحوا المستور ويعلنوه على الملأ.
قال الإمام المعلمي في التنكيل [ص22]: (وكان مقتضى الحكمة اتباع ما مضى عليه أهل العلم منذ سبعمائة سنة تقريباً من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء واقتصار الحنفية في بعض المناسبات على التألم من الخطيب بأنه أورد حكايات لا تصح، فيقتصرون على هذا الإجمال ونحوه، ولا يطعنون في الخطيب ولا في راوٍ بعينه ويعوضون أنفسهم بالاستكثار من روايات المناقب فإن جاوز بعضهم ذلك فعلى قدر ومراعاة للجانب الآخر فليت الأستاذ () اكتفىبما يقرب من ذلك وطوى الثوب على غرة، فإن أبت نفسه إلا بعثرة القبور فليتحر الحق، إما تديناً، وإما علماً بأن في الناس بقايا وفي الزوايا خبايا.
أما أنا فقد قدمت بيان مقصودي ولا شأن لي بما عداه ولو ألجئت إلى نقد الروايات من الجانبين لتحريت الحق إن شاء الله تعالى، وذلك بالنظر في أحوال الرواة من الفريقين، فمن وثقه أهل العلم فلابد من قبوله، ولا يعد ميله إلى أبي حنيفة ولا انحرافه عنه مسوغاً لاتهامه بالكذب، ولا يلزم من ثقته بنفسه توجه الذم ولا تحقق المدح…) الخ.
قال سمير: فجناية الكوثري وأشباهه على أبي حنيفة ظاهرة لأنهم:
¥