أولاً: أظهروا المستور في بواطن الكتب وأشاعوه، فتداولته أيدي الغوغاء والدهماء، بعد أن كان حكراً على العلماء والأدباء.
وثانياً: رموا هذه الأمة في صميمها بالطعن في أئمتها وثقات نقلة دينها وحماة عقيدتها، فاضطر الغيورون عليها أن يقوموا بأدنى الواجب في ذلك، فكان لابد من ذكر أصل المسألة وسببها فزادت شيوعاً وانتشاراً دون قصد إلى ذلك.
وهاهو ذا الشيخ القحطاني السلفي يثيرها من جديد، بمثل تلك الانتقادات، وبالطعن في الأئمة الأثبات، وتوهين الرواة الثقات، كما رأيت ()، وبأسلوب لاذع، أثار الكامن وهيج الساكن، ولولا ذلك لما كتبت هذا الفصل ولاقتصرت على ما سيأتي من ملاحظات في الفصول التالية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
واعلم أن من الناس من لا يروق له طرح هذه المسألة. ومنهم من قد يعترض على ذكرها وإشهارها، ويقول: لو سكتَّ عن المسألة من أصلها وتركت الشيخ وشأنه أو يقول: لم لم تنقل كلام الأئمة في ثنائهم على أبي حنيفة واعتذارهم عما قيل فيه وما رمي به؟
فأقول: ليس غرضي هذا في الأساس وقد بينت مقصدي من قبل ولي سلف في ذلك أنقل كلامه لك بالنص من كتابيه () طليعة التنكيل و التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل، حيث قال رحمه الله في مقدمة الأول في ص 11: (أما بعد، فإني وقفت على كتاب تأنيب الخطيب للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ المحدث الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من تأريخ بغداد من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة فرأيت الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة وحسن الذب عنه إلى ما لا يرضاه عالم متثبت، من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد والطعن في أئمة السنة ونقلتها () … فأساء في ذلك جداً حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه ((.
وقال في مقدمة التنكيل ص3: (أما بعد، فهذا كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، تعقبت فيه ما انتقدته من كتاب: (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري مما يتعلق بالكلام في أئمة السنة ورواتها غير عامد إلى ذب عن الإمام أبي حنيفة ولا خلافه .. ) إلى أن قال: (فصل: المقصود الأهم من كتابي هذا هو رد المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها. والذي اضطرني إلى ذلك أن السنة النبوية وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها، ومعرفة العربية وآثار الصحابة والتابعين في التفسير وبيان معاني السنة و الأحكام وغيرها والفقه نفسه إنما مدارها على النقل ومدار النقل على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ وأضرابهم فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله بل في الدين من أصله.
والسعي في توثيق رجل واحد من أولئك بغير حق أو الطعن فيه بغير حق سعي في إفساد الدين بإدخال البطال فيه أو إخراج الحق منه فإن كان ذاك الرجل واسع الرواية أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعاً للأمرين، كان الأمر أشد جداً، كما يعلم بالتدبر، فما بالك إذا كان الطعن بغير حق في عدد كثير من الأئمة والرواة، يترتب على الطعن فيهم زيادة على محاولة إسقاط رواياتهم محاولة توثيق جم غفير ممن جرحوه وجرح جم غفير ممن وثقوه…) الخ.
قال سمير: وهذا الكلام يتعلق بهذا الفصل وبالفصلين الثالث والرابع من هذا الكتاب.
الفصل الثاني
أخطاء علمية متعلقة بمسائل عقدية
من المؤسف حقاً أن يقع شيخ من دعاة السلفية، ومن المنتسبين إلى العلم الشرعي والمتخصصين في قسم العقيدة، في أخطاء ومخالفات عقدية لا يقع فيها عادة إلا الجاهلون من العوام، والمخالفون لمذهب السلف من أهل البدع من الأشاعرة ونحوهم. وإليك أمثلة من أخطاء الشيخ السلفي:
[1] ص 84 قال)) شاءت حكمة الله تبارك وتعالى .... ((.
قال سمير: وهذا اللفظ لا يجوز، لأن الحكمة معنى، والمعاني لا ينسب لها مشيئة. وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله عن حكم قول القائل)) شاءت قدرة الله ((فأجاب)) لا يصح أن نقول: شاءت قدرة الله، لأن المشيئة إرادة، والقدرة معنى، والمعنى لا إرادة له، وإنما الإرادة للمريد، والمشيئة للمشيء ()، ولكننا نقول: اقتضت حكمة الله كذا وكذا ((().
وانظر معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أو زيد حفظه الله، ص 194.
¥