والشيخ لم يصرح هنا باللفظ الذي أنكره في متن الحديث، وإنما أطلق أولاً فقال:)) في متنه نكارة ((، وزعم أن ابن جرير خرجه بنفس متن المؤلف، وهذا غير صحيح، فإن ابن جرير زاد في روايته زيادتين ليستا في رواية عبد الله، وهما قوله:)) ثم قال بأصابعه فجمعها ((بعد قوله:)) أربع أصابع ((، وقوله في آخر الحديث:)) من ثقله ((بعد قوله:)) إذا ركب ((.
وقوله:)) وذهب شاكر إلى أن الزيادة المنكرة هي ما ذكره الطبري، وأنا أوافقه على ذلك ((يوهم أن الشيخ أحمد شاكر أنكر الزيادة، وهذا خطأ، وإليك نص كلام أحمد شاكر في حاشية تفسير ابن جرير، قال رحمه الله:)) قال ابن كثير () وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور، وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما .... ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفاً- قلت (): كما رواه الطبري هنا -… ومنهم من يزيد في متنه زيادة غييبة- قلت: وهي زيادة الطبري في هذا الحديث - ومنهم من يحذفها ... ((.
قال سمير: فأين تجد إنكار أحمد شاكر للزيادة؟ إنما أراد أن يبين مقصود ابن كثير رحمه الله بالزيادة الواردة في متن الحديث، ولم ينكرها ابن كثير أيضاً وإنما استغربها، وفرق بين الإنكار والاستغراب.
ثم ما هي تلك الزيادة التي زعم القحطاني أن أحمد شاكر أنكرها، ووافقه هو عليها؟
إن الشيخ لم يفهم مراد ابن كثير أصلاً، ولا تعليق أحمد شاكر عليه، وأوهم أنه فهم ذلك، وعبارته تدل على أنه في واد، وهما في واد آخر.
ولو تأمل الشيخ في متن الحديث الوارد في تفسير ابن جرير، لعرف المقصود وأن الزيادة المستغربة، عند ابن كثير، هي قوله:)) من ثقله ((. وهذه العبارة لم ترد في بعض الروايات، ومنها رواية عبد الله بن أحمد في "السنة"، والتي زعم الشيخ أنها مطابقة لرواية ابن جرير، حيث قال:)) أخرجه ابن جرير بنفس متن المؤلف ((! والذي يؤكد لك أنه في واد، وأن الآخرين في واد آخر، قوله عن رواية الإمام عبد الله:)) في متنه نكارة ((، وليس فيها الزيادة التي استغربها ابن كثير.
وثالثة الأثافي، تعليله لإنكارها بقوله:)) لأن هذا دخول في كيفية صفات الله، ومذهب السلف الصحيح عدم الدخول في الكيفية ((!
والبحث مع الشيخ في ثلاث مسائل:
الأولى: اللفظ الذي أنكره في رواية عبد الله بن أحمد، ما هو؟
الثانية: الزيادة التي استغربها ابن كثير، وهي في رواية ابن جرير.
الثالثة: مذهب السلف في ذلك كله.
أما الأولى، فالظاهر أن الذي أنكره الشيخ هو لفظ "القعود" الوارد في الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في الملاحظة السابقة، وتبين أن السلف لا ينكرونه، بل يثبتون "القعود" صفة تليق بالله تعالى، كسائر الصفات الواردة في القرآن والسنة، بالشرط المعتبر)) إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل ((أخذاً من قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وقد أنكر الشيخ لفظه أخرى كذلك، وهي الأطيط، وصرح بذلك في تعليقه على الأثر رقم 588 [1/ 303] حيث نقل عن الذهبي قوله:)) لفظ الأطيط لم يأت من نص ثابت ((وقول الألباني:)) لا يصح في أطيط العرش حديث ((.
والصواب أن لفظ "الأطيط" ثابت، وسيأتي ذكر أدلته بعد قليل.
الثانية: وهي ما يتعلق بالزيادة الواردة في الحديث، وهي قوله:)) من ثقله ((، والتي استغربها ابن كثير رحمه الله وغيره، وأنكرها القحطاني، أخذاً بظاهر كلامه:)) وذهب شاكر إلى أن الزيادة المنكرة هي ما ذكره الطبري، وأنا أوافقه على ذلك ((، مع أن الظاهر أنه لم يعرف ما هي الزيادة أصلاً، لكنه قد أنكر "الأطيط"، فإنكاره "للثقل" أولى ().
والحق أن أئمة السلف أثبتوا "الأطيط"، وأثبتوا "الثقل"، واحتجوا بالآثار الواردة في ذلك، وإليك بعضها:
أ- حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، في قصة الأعرابي الذي استشفع بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفيه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:)) أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا -وقال بأصابعه مثل القبة عليه- وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ((.
وأما قولكم: تفرد به يعقوب بن عتبة، ولم يرو عنه أحد من أصحاب الصحيح، فهذا ليس بعلة باتفاق المحدثين، فإن يعقوب لم يضعفه أحد، وكم من ثقة قد احتجوا به، وهو غير مخرج عنه في الصحيحين ((؟
¥