قال البيهقي:)) هذا موقوف على عبد الله بن عمرو، راويه رجل غير مسمى، فهو منقطع، وقد بلغني أن ابن عيينة رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، فإن صح ذلك، فعبد الله بن عمرو قد كان ينظر في كتب الأوائل، فما لا يرفعه إلى النبي عليه السلام يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب، ثم لا ينكر أن يكون الصدر والذراعان من أسماء بعض مخلوقاته، وقد وجد في النجوم ما سمي ذراعين. وفي الحديث الثابت عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:)) خلقت الملائكة من نور (((). هكذا مطلقاً ((اهـ.
قال سمير: وإسناد رواية البيهقي، لو صح، فإن في المتن فائدة، وهي أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذكر هذا الكلام في معرض الجواب لمن سأله، وهو عروة بن الزبير، وهذا يدل على اعتقاده وقبوله لذلك، كما يظهر.
وأما تعليل البيهقي للأثر، من حيث الإسناد، فهو يصدق على روايته، ولا يصدق على الإسناد الآخر الصحيح.
وإني لم أسق كلام البيهقي، رحمه الله، لتقريره، فإني على علم بمذهبه، وإنما يتبين ما في أسلوب القحطاني من إساءة في حق السلف، ترفع عنها بعض المنتسبين إلى المذهب الأشعري الكلابي.
فالبيهقي لم يجزم ببطلان الأثر، مع ضعف إسناده عنده، ولم يجزم بأنه من حديث بني إسرائيل، وإنما أورده على الاحتمال، فقال:)) يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب ((، ثم اشتغل بتأويله كعادته، تبعاً لمذهبه في ذلك.
[7]- ص 525 قال الإمام عبد الله: حدثني أبي نا أبو اليمان نا إسماعيل بن عياش عن أم عبد الله عن أبيها خالد بن معدان أنه قال:)) إن ريح الجنة لتضرب على مقدار أربعين خريفاً، والخريف باع الله عز وجل ((.
قال الشيخ في تعليقه، بعد أن أعل إسناده بجهالته بحال أم عبد الله:)) وهذا الأثر يقال فيه ما قيل فيما شاكله، وهو أن الكلام في كيفية الصفة ليس من مذهب السلف ((.
قال سمير: الشيخ كثيراً ما يدندن حول مذهب السلف وهو يخالفه، أين الكيفية المزعومة؟
قد تقدم أن إثبات الصفة لا يعد تكييفاً ولا يستلزم تشبيهاً، خلافاً للجهمية المعطلة نفاة الصفات، الذين هم في واقع الأمر مشبهة، فروا منه إلى التعطيل. ولو اكتفى الشيخ بتضعيف الإسناد بجهالته لحال أم عبد الله بنت خالد بن معدان، لكان أفضل.
وقد تقدم أن أم عبد الله هذه اسمها عبدة، ذكرها الجوزجاني في "أحوال الرجال" [ص 168] وقال:)) أحاديثها منكرة جداً ((.
فكان حسب الشيخ أن يضعف الأثر بها، دون أن يتطرق إلى مثل ذلك الأسلوب في النقد.
[8]- ص 299 قال الإمام عبد الله: حدثني أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد قال سمعت أبا جعفر الأنصاري قال سمعت محمد بن عبيد -وكان من خيار الناس- يقول:)) رأيت أحمد بن نصر في المنام فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع بك ربك عز وجل؟ قال: غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه عز وجل ((.
قال الشيخ:)) في إسناده محمد بن عبيد وأبو جعفر الأنصاري لم أقف لهما على ترجمة ((.
وقال في تعليقه على الأثر:)) الرؤى ليست من مصادر العقيدة ((.
قال سمير: لا يريد الشيخ أن يترك شاردة ولا واردة للإمام عبد الله في هذا الكتاب إلا ويعترض عليه فيها، وليته أصاب فيما اعترض عليه من مسائل، أو أفاد حكمة سلفية أو علماً مأثوراً، لكنه كما ترى، وكما رأيت من قبل، يخالف السلف ويعترض عليهم فيما أصابوا فيه من غير برهان، والله المستعان.
وليس على الإمام عبد الله رحمه الله، حرج، ولا على الذين رووا هذه المنقبة لذلك الإمام الشهيد () أحمد بن نصر الخزاعي، الذي قتله الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن، ولإثباته رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، وهو ما تنكره المعتزلة، فقتل من أجل ذلك. فمثل هذه الرؤيا التي رؤيت له بعد موته قرة عين لأهل السنة، وسخنة عين للمعتزلة نفاة الرؤية. وقد رواها الإمام الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [5/ 180] والمزي في تهذيب الكمال [1/ 513] وذكرها الذهبي في السير [11/ 166] وغيرهم.
ولم يقل أحد إن الرؤى مصدر من مصادر العقيدة، وإنما تذكر للاستئناس، وكتب السلف مشحونة بذلك، ولم يجرؤ أحد، فيما علمت، قبل القحطاني على إنكارها.
ومعلوم أن هذه الرؤيا موافقة لمذهب أهل السنة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، فلا وجه لإنكارها إذاً، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
¥