وما في هذا الكلام من نفي تحديد الخلق وتقديرهم لربهم وبلوغهم صفته، لا ينافي ما نص عليه أحمد وغيره من الأئمة، كما ذكره الخلال أيضاً، قال: حدثنا أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله، لما قيل له، روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك، أنه قيل له: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال: على العرش بحد.
قال:)) قد بلغني ذلك عنه ((، وأعجبه، ثم قال أبو عبد الله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} ثم قال: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً}.
قال الخلال: وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك، وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد. فقال أحمد:)) هكذا هو عندنا ((.
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق -يعني ابن راهويه-: هو على العرش بحد؟ قال:)) نعم بحد ((. وذكر عن ابن المبارك قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد].
ثم ذكر شيخ الإسلام أن ما أثبته الأئمة من لفظ "الحد" لا يعلمه غير الله تعالى قال: (كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به ((انتهى من "درء التعارض" باختصار.
قال سمير: فهذا التفصيل الدقيق يزيل اللبس وينفي التعارض بين من أثبت الحد من السلف ومن نفاه، فهو كما يقال في الكيفية، نثبتها ونرد علمها إلى الله تعالى، وننفي علمنا نحن بها ونقطع بعجز الخلق عن معرفتها وإدراكها، ونبدع من يسأل عنها. وقد فسر الإمام الدارمي معنى الحد الذي ورد في كلام ابن المبارك والذي يثبته السلف، فقال:)) والحجة لقول ابن المبارك رحمه الله قول الله تبارك وتعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} فلماذا يحفون حول العرش إلا لأن الله عز وجل فوقه، ولو كان في كل مكان لحفوا بالأمكنة كلها لا بالعرش دونها، ففي هذا بيان بيّن للحد، وأن الله فوق العرش، والملائكة حوله حافون ... ((.
وقال أيضاً:)) لأن الله تبارك وتعالى فوق السماء، والملائكة في السموات، وبعضهم حافون بعرشه، فهو أقرب إلى عرش الرحمن من أهل الأرض. ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان ... ((.
وقال أيضاً:)) لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة ((. انظر الرد على الجهمية [98 - 100].
قال سمير: وإنما أطلت في هذا الموضع لأنفي عن كلام السلف الاختلاف والتعارض، وليتضح المعنى الحق حتى يعلم من لا يعلم.
وقد عجبت من صنيع الشيخ القحطاني، بين يديه كلام الدارمي مفسّراً مبيناً للمراد، فيعرض عنه إلى كلام محقق الكتاب، وهو كما رأيت لا طائل وراءه ولا فائدة ترجى فيه، بل أوهم تعارض كلام السلف مع ما قاله ابن المبارك ().
وللقحطاني نحو هذا المسلك، في مواضع من تعليقاته، ترد مسألة من المسائل الكبار، فينقل لك في الحاشية كلام بعض المعاصرين، ويترك كلام الأئمة، وليته ينقل كلاماً مفيداً أو تحقيقاً فريداً، إذاً لهان الخطب.
* خذ مثلاً على ذلك، رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في الدنيا، مسألة من المسائل الكبار، والكلام فيها يطول، وقد أثبتها ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وخالفه أكثر الصحابة ومن أشهرهم عائشة رضي الله عنها، واحتج كل فريق بحجج وآثار، وذهب الإمام أحمد إلى كلام ابن عباس، ورواه الإمام عبد الله في مواضع من كتابه، كما في ص298، فعلق الشيخ القحطاني على ذلك بقوله:)) أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد"، وعلق على ذلك الهراس بقوله: هذا رأي لا دليل عليه، وهذا مخالف لقوله عليه السلام في حديث أبي ذر "نور أنى أراه" ((.
قال سمير: فأي تحقيق أفاده هذا النقل؟
[11]- ص 219 روى الإمام عبد الله بإسناده الصحيح عن أبي إسحاق الفزاري قال: كان أبو حنيفة يقول:)) إيمان إبليس وإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه واحد، قال أبو بكر: يا رب، وقال إبليس: يا رب ((.
قال الشيخ معلقاً على هذا:)) لعل مراده بذلك التصديق القلبي، ومعلوم أنه لا يكفي وحده ((اهـ.
¥