قال سمير: وهذا أيضاً من أوهام الشيخ، عفا الله عنه، إذ مفهوم قوله ومؤداه أن التصديق القلبي لا يتفاضل، وهذا خلاف مذهب السلف، ولم يصب كذلك في تفسير مذهب أبي حنيفة، فإنه لا يكتفي بالتصديق بل يضيف إليه قول اللسان، وهو مذهب مرجئة الفقهاء. أما الاكتفاء بتصديق القلب وحده فإنه مذهب الجهمية، وقد كفرهم به الأئمة، وبدعوا الأولين ().
ولا شك في بطلان ما ذهبوا إليه، إذ التصديق القلبي يتفاضل، وكذا المعرفة القلبية، والأدلة من القرآن والسنة في تقرير ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وقوله: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} إلى غير ذلك من الآيات.
وفي حديث الشفاعة الطويل قال:)) فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ... ((، ثم قال:)) مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ((ثم قال:)) أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان ((().
وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه:)) ... فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ... ((الحديث ().
قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري [1/ 11]:)) وأما المعرفة بالقلب: فهل تزيد وتنقص؟ على قولين:
أحدهما: أنها لا تزيد ولا تنقص ... ((إلى أن قال:)) القول الثاني: أن المعرفة تزيد وتنقص.
قال المروزي: قلت لأحمد في معرفة الله بالقلب تتفاضل فيه؟ قال: نعم.
قلت: ويزيد؟ قال: نعم .... ((إلى أن قال ابن رجب:)) وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين: أحدهما: زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وأسماء الملائكة والنبيين وصفاتهم والكتب المنزلة عليهم وتفاصيل اليوم الآخر. وهذا ظاهر لا يقبل نزاعاً.
والثاني: زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها، فإن أدلتها لا تحصر ... ((إلى أن قال:)) وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في كتابه () أن التصديق يتفاوت، وحكاه عن الحسن والعلماء، وهذا يشعر بأنه إجماع عنده ((.
ثم استدل ابن رجب على ذلك بحديث:)) إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم ... ((.
وقد صرح الشيخ القحطاني بخلاف ما ذكره هنا عن مذهب أبي حنيفة، فقال في مقدمة الكتاب [ص 77] في مآخذ الأئمة على أبي حنيفة:)) 1 - الإرجاء: وهذا صحيح في أبي حنفية، ولكن إرجاء الفقهاء، وليس إرجاء الفرقة المبتدعة التي تقول لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد ذكر أهل العلم أن إرجاء أبي حنيفة هو قوله: إن الإيمان تصديق القلب وقول اللسان فقط، ولم يدخل العمل في مسمى الإيمان. ولا شك أن هذا خلاف مذهب السلف في أن الإيمان إقرار بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، كما هو مبسوط في كتب العقيدة. فهذا مأخذ على أبي حنفية ((.
قال سمير: فهذا يناقض قوله السابق، ثم هو مشتمل على مغالطات أيضاً، فإن السلف بدعوا إرجاء الفقهاء وأنكروه غاية الإنكار، والشيخ تمحل في الدفاع عن بدعتهم في أكثر من موضع في كتابه، ونقل عن شيخ الإسلام وابن أبي العز شارح الطحاوية ما يفيد أن الخلاف بين هذا الصنف من المرجئة، وبين السلف خلاف يسير، وهو لفظي فقط.
وتفصيل المسألة وبسطها يطول، وليس مقصودنا هنا، وإنما المقصود التنبيه على الخطأ والوهم، لكني أكتفي بنقل جمل يسيرة من كلام شيخ الإسلام. قال رحمه الله:)) والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب وقول اللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم ... لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنها لازمة لها ... ((().
وقال:)) والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب. ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه.
والقول الثاني من يقول: هو مجرد قول اللسان. وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.
والثالث: تصديق القلب وقول اللسان. وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم. وهؤلاء غلطوا من وجوه .... ((() ثم شرع في الرد عليهم.
¥