وقال:)) وأما النصوص على أن الإيمان القلبي يزيد وينقص، فمنها الأحاديث الصحيحة في أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ثم من قالها وفي قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ثم من قالها وفي قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان ... ((.
وقال:)) تفاوت الإيمان القلبي ثابت نقلاً ونظراً. أما النقل فمعروف، وقد تقدمت الإشارة إلى حديث الخروج من النار.
وأما النظر، فإن الإنسان إذا قارن بين اعتقاده أن الثلاثة من حيث العددية أقل من الستة، وبين اعتقاداته التي يجزم أنه موقن بها، بان له الفرق ((.
الفصل الثالث
أخطاء متعلقة بالحكم على الأسانيد
إن لكل علم وفن أصولاً وقواعد يبنى عليها ويضبط بها، وأدقها وأعوصها وأهمها، علم أصول الحديث ودراسة الأسانيد والحكم عليها صحة أو ضعفاً، واتصالاً أو انقطاعاً. وفهمه، أو قل فهم بعضه، لا يتأتى إلا مع طول ممارسة، وكثرة مطالعة لكتبه ومدارسة، ومنها كتب المصطلح والعلل وتراجم الرجال.
وقد أقحم الشيخ نفسه، هداه الله، فيما لا يحسنه، فتصدى للحكم على أسانيد الكتاب، فأساء من حيث ظن أنه أحسن، وكثر منه الخطأ والوهم حتى صار هو الغالب على حكمه على الروايات وأسانيدها.
وقد اعترف الشيخ نفسه بجهله بهذا الفن عند مناقشته في رسالته، ولا ينجيه هذا الاعتراف لأن إقدامه واختياره لهذا الكتاب خطأ من الأصل، فهو مروي كله بالأسانيد، كعادة السلف في كتبهم ومصنفاتهم، فكان لزاماً على الشيخ أن يستبرئ لدينه وعرضه ويترك الحكم على أسانيده، لا أن يقدم عليه ثم يعتذر بالجهل وقلة الدراية فيه!
ولو أقدم رجل على الفتيا أو على القضاء، ولم يكن أهلاً لذلك، لعد ذلك جرماً ومعصية وإثماً في الدين، وفاعله مأزور غير معذور، فهذا كذلك، بل هو عند التحقيق أشد جرماً وأكبر إثماً.
وقد تقدم نقل كلام المعلمي من قبل ():)) والسعي في توثيق رجل واحد من أولئك بغير حق، أو الطعن فيه بغير حق سعي في إفساد الدين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه، فإن كان ذاك الرجل واسع الرواية أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعاً للأمرين كان الأمر أشد جداً، كما يعلم بالتدبر ... ((انظر ص [4 - 5] من التنكيل.
وهذا الذي قاله المعلمي لا يخص الكوثري ولا من هو على شاكلته من المخالفين المتعصبين، بل يعم سائر المتطفلين على هذا العلم، كمثل الشيخ القحطاني، مع الفارق الكبير بين الفريقين، في المشرب والمقصد، لكن المؤدى واحد.
وشيخنا أتى في حكمه على أسانيد كتاب "السنة" بالعجائب، سأوقفك على أمثلة لها. وهي أقسام:
أ- تضعيف الرواة الثقات.
ب- الحكم على الأسانيد المتصلة بالانقطاع.
جـ- الخلط بين المسند والمسند إليه.
د- تجاهل الرواة المعروفين.
هـ- تضعيف الروايات الصحيحة.
و- تصحيح الروايات الضعيفة.
ز- تناقضات.
حـ- أوهام أخرى.
وأمثلة هذه الأنواع كثيرة، وسأكتفي بذكر بعضها، خوف الإطالة.
[أ] تضعيف الرواة الثقات.
[1]-ص 133 قال الإمام عبد الله: حدثني أبو الحسن بن العطار سمعت سفيان بن وكيع يقول:)) القرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق ((.
قال الشيخ:)) إسناده ضعيف. سفيان بن وكيع بن الجراح صدوق إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه ((.
قال سمير: وهذا خطأ واضح، فالإسناد صحيح لا غبار عليه، فإن أبا الحسن بن العطار شيخ عبد الله بن أحمد ثقة، وقد ساق الشيخ القحطاني نفسه ترجمته في ص 132 وذكر قول عبد الله بن أحمد فيه:)) ثقة أمين ((نقلاً من تاريخ بغداد [3/ 203].
وأما سفيان بن وكيع، فهو هنا القائل لا الناقل، فلا يعل الإسناد به.
ثم هو ليس ضعيفاً على الإطلاق كما أوهم كلام الشيخ، بل هو صدوق في نفسه، وإنما حصل الغلط في حديثه بسب ورّاقه.
ومن كان هذا حاله، فإنما يجتنب من رواياته ما ظن فيه التلقين، ويعتبر بغيرها، هذا إذا كان راوياً من رجال السند، أما إذا قال قولاً أو رأياً من عنده، فلا دخل للتلقين فيه بحال، كما لا يخفى.
ثم إن ما قاله هنا موافق لإجماع السلف من أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فلو أنه من رواة السند، فإنه تقبل روايته حينئذ لموافقتها للإجماع.
وقد ضعف الشيخ أثراً آخر بسفيان بن وكيع في ص 183، لكنه تناقض في مواضع أخرى فحسن له. انظر ص 198، وص 222، فهل هو نسخ للقول الأول ورجوع إلى الصواب؟
¥