حكاية مذهب الشافعي
وأما الشافعي فالمنصوصُ عنه نفسه أن عهده ينتقض بسبّ النبيَّ ?، وأنه يقتل. هكذا حكاه ابنُ المُنْذِر والخطابيُّ وغيرهما. والمنصوص عنه في "الأُمِّ" أنه قال: "إذا أراد الإمامُ أن يكتب كتابَ صلح على الجزية كتب ... " ـ وذكر الشروط إلى أن قال:-"وعلى أنَّ أحداً منكم إن ذكر محمداًَ ? أو كتابَ الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد بَرِئَتْ منه ذمةُ الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين، ونقض ما أُعطي من الأمان، وحَلَّ لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تَحِلُّ أموالُ أهل الحرب ودماؤهم، وعلى أنَّ أحداً من رجالهم أن أصاب مسلمةً بزنى أو اسم نكاحٍ، أو قَطَع الطريقَ على مسلمٍ، أو فَتَنَ مسلماً عن دينه، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتالٍ أو دَلالةٍ على عَوْرَات المسلمين أو إيواءٍ لعيونهم/ فقد [نَقَضَ] عهدَه وأحلَّ دَمهُ ومالَهُ، وإن نال مسلماً بما دون هذا في مالِهِ أو عِرْضِهِ ... لزمه فيه الحكم".
ثم قال: "فهذه الشروطُ اللازمة إن رضي بِهَا، فإن لم يَرْضَهَا فلا عَقْدَ ولا جِزْيَةَ".
ثم قال: "وأيهم قال أو فعل شيئاً مما وصفته نقضاً للعهد وأسلم لم يُقتلْ إذا كان ذلك قولاً، وكذلك إذا كان فعلاً لم يُقتلْ، إلا أن يكون في دين المسلمين أنَّ مَن فعله قُتِل حدّاً أو قصاصاً فيقتل بحدٍّ أو قصاصٍ لا نقض عهدٍ.
وإن فَعَلَ مما وصفنا وشرط أنه نقضٌ لعهد الذمة فلم يُسْلمْ ولكنه قال: أتوب وأُعْطِي الجِزْية كما كنت أعطيها، أو على صُلْح أجَدِّدُه عوقب ولم يُقتلْ، إلا أن يكون فَعل فعلاً يوجبُ القصاصَ أو الحدّ. فأما ما دون هذا من الفعل أو القولِ فكل قولٍ فيعاقَبُ عليه ولا يقتل".
قال: "فأن فَعَلَ أو قالَ ما وصفنا وشرط أنه يحلّ دمه فظُفِرَ به فامتنع من أن يقول: أسلم، أو أعطي الجزية قُتِلَ وأُخذ مالُه فَيْئاً".
ونصّ في "الأُمِّ" أيضاً أن العهد لا ينتقض بقطع الطريق، ولا بقتل المسلم، ولا بالزنى بالمسلمة، ولا بالتجسس، بل يُحَدُّ فيما فيه الحد، ويُعاقبُ عقوبةً منكَّلة فيما فيه العقوبة، ولا يُقتل إلا بأن يجب عليه القتل.
قال: "ولا يكون النقضُ للعهدِ إلا بمنع ِ الجزيةِ، أو الحكم بعد الإقرارِ والامتناعِ بذلك" ـ قال ـ: ولو قال: "أؤدِّي الجزيةَ ولا أقر بالحكم" نُبِذَ إليه، ولم [يقاتلْ] على ذلك مكانه، وقيل: قد تقدَّم لك أمانٌ، فأمانك كان للجزية وإقرارك بها وقد أجَّلْنَاك في أن تخرج من بلاد الإسلام، ثم إذا خَرَجَ فبلغ مَأمَنَهُ قُتِلَ أن قُدِرَ عليه".
فعلى كلامِهِ المأثور عنه يُفَرَّق بين ما فيه غَضَاضة على الإسلام وبين الضررِ بالفعلِ، أو يقال: يُقتل الذمي لسبِّه وان لم ينتقضْ عهده، كما سيأتي أن شاء الله.
أقوال أصحاب الشافعي
وأما أصحابه فذكروا ـ فيما إذا ذكَرَ الله أو كتابَهُ أو رسولَه بسوء ـ وجهين:
أحدهما: يُنتقض عهدهُ بذلك، سواءٌ شُرِط عليه تركُه أو لم يُشرطْ، بمنزلةِ ما لو قاتلوا المسلمين وامتنعوا من التزامِ الحكمِ كطريقةِ أبي الحسين من أصحابنا، وهذه طريقةُ أبي إسحاق المْروَزِيِّ، ومنهم من خَصَّ سبَّ رسولِ اللهِ ? وَحْده بأنه يُوجِبُ القتل.
والثاني: أنَّ السبَّ/ كالأفعالِ التي على المسلمين فيها ضرر من قتلِ المسلم ِ والزنى بالمسلمةِ والجّسِ وما ذكر معه.
وذكروا في تلك الأمور وجهين:
أحدهما: أنه أن لم يُشْرَطْ عليهم تركُها بأعيانها لم ينتقضْ العهدُ بفعلها. وإن شرط عليهم تركُها بأعيانها ففي انتقاضِ العهدِ بفعلِها وجهان.
والثاني: لم ينتقض العهدُ بفعلها مطلقاً.
ومنهم مَن حكى هذه الوجوه أقوالاً، وهي أقوال مشارٌ إليها؛ فيجوز أن تُسمَّى أقوالاً ووجوهاً. هذه طريقةُ العراقيين، وقد صَرَّحوا بأنّ المرادَ شرطُ تركها، لا شرط انتقاض العهد بفعلها كما ذكره أصحابنا.
وأما الخُراسانيون فقالوا: المرادُ بالاشتراط هنا شَرْطُ انتقاض العهد بفعلها، لا شرطُ تركها، قالوا: لأنَّ الترك مُوجبُ نفسِ العقدِ، ولذلك ذكروا في تلك الخصالِ المضرة ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: يُنتقض العهدُ بفعلِها.
والثاني: لا يُنتقض.
والثالث: إن شُرِطَ في العقدِ انتقاضُ العهدِ بفعلها انتقض، وإلاَّ فلا.
¥