تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً، فإنّ الذين عاهدوهم أول مرةٍ هم أصحابُ رسولِ اللهِ ? مثل عمر، وقد علمنا أنه يمتنع أن نعاهدهم عهداً خلاف ما أمر الله به في كتابِه.

وأيضاً، فإنا سنذكر شروطَ عمر رضي الله عنه، وأنها تضمّنت أنَّ مَن أظهرَ الطعْنَ في ديننا حلَّ دمُه ومالُه.

الدليل الثاني من القرآن

الموضع الثاني: قوله تعالى: ?كَيْفَ يَكُونُ لِلمُشْرِكِيْنَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولهِ إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم عِنْدَ المَسْجِدِ الْحَرامِ? - إلى قوله-: ?وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لاَ أَيْمانَ لهُمْ لَعَلََّهُمْ يَنْتَهُون?، نفى سبحانه أن يكون لمشركٍ عهدٌ ممن كان النبيُّ ? قد عاهدهم، إلا قوماً ذكرهم، فإنه جعل لهم عهداً ما داموا مستقيمين لنا، فعُلم أن العهد لا يبقى للمشركِ إلا ما دام مستقيماً، ومعلومٌ مُجَاهرتنا بالشتيمة والوقيعةِ في رَبِّنَا ونبينا وديننا وكتابنا يَقْدَحُ في الاستقامة، كما تَقْدَحُ مجاهرتُنَا بالمحاربةِ في العهدِ، بل ذلك أشد علينا إن كنا مؤمنين، فإنه يجب علينا أنْ نبذل دماءنا وأموالنا حتى تكون كلمةُ اللهِ هي العليا، ولا يُجْهَر في ديارنا بشيءٍ من أذى اللهِ ورسوله، فإذا لم يكونوا مستقيمين لنا بالقَدْح في أهْوَنِ الأمرين، كيف يكونون مستقيمين مع القدحِ في أعظمهما؟

يوضِّحُ ذلك في قولُه تعالى: ?كيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاًّ وَلا ذِمَّةً? أي: كيف يكون لهم عهدٌ ولو ظهروا عليكم لم يَرقُبُوا الرَّحِمَ التي بينكم ولا العهدَ الذي بينكم؟ فعُلم أنَّ مَن كانت حالهُ أنه إذا ظهر لم يَرْقُبْ ما بيننا وبينه من العهدِ لم يكنْ له عهدٌ، ومن جَاهَرَنا بالطعن في ديننا كان ذلك دليلاً على أنه لو ظَهَر لم يَرْقُبِ العهدَ الذي بيننا [وبينه]؛ فإنه إذا كان مع وجودِ العهدِ والذِّلَّةِ يفعلُ هذا، فكيف يكون مع العِزّةِ والقدرةِ؟ وهذا بخلاف مَن لم يُظْهِر لنا مثلَ هذا الكلامِ، فإنه يجوزُ أن يَفِيَ لنا بالعهدِ لو ظهر.

وهذه الآية، وإن كانت في أهلِ الهُدْنَةِ الذين يُقيمون في دارهم، فإن معناها ثابتٌ في أهلِ الذمةِ المقيمون في دارِنا بطريق الأوْلى.

الدليل الثالث من القرآن

/الموضع الثالث: قوله تعالى: ?وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دِيْنِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ? وهذه الآيةُ تدلُّ مِن وجوهٍ:

أحدها: أنَّ مجرد نَكْث الأيمان مقتضٍ للمقاتلةِ، وإنما ذَكَر الطعن في الدين وأفرده بالذكر تخصيصاً له بالذكر وبياناً؛ لأنه من أقوى الأسباب الموُجِبَة للقتال، ولهذا يُغَلَّظ على الطاعن في الدين من العقوبة ما لا يغلظ على غيره من الناقضين كما سنذكره إن شاء الله تعالى، أو يكون ذكره على سبيل التوضيح، وبيان سبب القتال، فإن الطعن في الدين هو الذي يجب أن يكون داعياً إلى قتالهم لتكون كلمة الله هي العليا، وإما مجرَّدُ نكث اليمين فقد يقاتل لأجله شجاعةً وحميةً ورياءً، ويكون ذكر الطعن في الدين لأنه أوجب القتال في هذه الآية بقوله تعالى: ?فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ? وبقوله تعالى: ?أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بإخْرَاجِ الرّسُولِ وهُمْ بَدَءوكُمْ أوَّلَ مَرّةٍ? - إلى قوله - ?قَاتِلُوهم يُعَذِِّبْهُمُ اللهُ بأيْدِيكُمْ? الآية، فيفيد ذلك أن مَن لم يَصْدُرْ منه إلا مجردُ نكثِ اليمين جاز أن يُؤمن ويعاهد، وأما مَن طعن في الدين فأنه يتعيّنُ قتاله، وهذه كانت سنةُ رسول الله ?؛ فإنه كان يْندِرُ دماء من آذى الله ورسوله وطعن في الدين وإن أمْسَكَ عن غيره، وإذا كان نقضُ العهدِ وحده مُوجِباً للقتال وإن تَجَرَّد عن الطعن عُلم أنَّ الطعن في الدِّين إما سَبَبٌ آخر، أو سببٌ مستلزمٌ لنقض العهد، فإنه لابد أن يكون له تأثيرٌ في وجوب المقاتلة، وإلا كان ذكره ضائعاً.

فان قيل: هذا يفيد أنَّ مَن نكث عهده وطعن في الدين يجب قتاله، أما من طعن في الدين فقط فلم تتعرض الآية له، بل مفهومها أنه وحده لا يوجب هذا الحكم؛ لأن الحكم المعلَّق بصفتين لا يجب وجوده عند وجودِ إحداهما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير