تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلنا: لا رَيْبَ أنه لا بُدَّ أن يكون لكل صفةٍ تأثيرٌ في الحكم، وإلا فالوصفُ العديمُ التأثير لا يجوزُ تعليقُ الحكم به، كمن قال: مَن زَنَى وأَكَلَ جُلِدَ، ثم قد تكون كل صفةٍ مستقلةً بالتأثير لو انفردت كما يقال: يُقتل هذا لأنه مُرْتَدٌّ زانٍ، وقد يكون مجموعُ الجزاء مرتباً على المجموع ولكل وصفٍ تأثيرٌ في البعض كما قال: ?وَالَّذِيْنَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ? الآية/ وقد تكون تلك الصفاتُ متلازمةً كل منها لو فرض تجرُّدُهُ لكان مؤثراً على سبيل الاستقلال أو الاشتراكِ، فيذكر إيضاحاً وبياناً للموجب، كما يقال: كَفَرُوا باللهِ وبرسوله، وعَصَى اللهَ ورسوله، وقد يكون بعضها مستلزماً للبعض من غير عكسٍ كما قال: ?أنَّ الَّذينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللهِ ويقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْر ِحَقّ? الآية، وهذه الآية من أي الأقسام فرضت كان فيها دَلاَلَةٌ؛ لأن أقصى ما يقالُ: أنَّ نقض العهدِ هو المبيحُ للقتالِ، والطعن في الدين مؤكدٌ له وموجبٌ له، فتقول: إذا كان الطعنُ يغلِّظُ قتالَ من ليس بيننا وبينه عهدٌ ويُوجبه فأن يوجبَ قتالَ من بيننا وبينه ذمةٌ وهو ملتزم للصَّغار أوْلى، وسيأتي تقرير ذلك.

على أن المعاهَدَ له أن يُظْهر في داره ما شاء من أمر دينه الذي لا يؤذينا، والذميّ ليس له أن يظهر في دار الإسلام شيئاً من دينه الباطل وإن لم يُؤْذِنا، فحالُه أشدُّ، وأهل مكة الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا معاهَدِينَ لا أهْلَ ذمة، فلو فرض أن مجرد طعنهم ليس نَقْضاً للعهد لم يكن الذميّ كذلك.

الوجه الثاني: أن الذّميَّ إذا سبَّ الرسول أو سب الله أو عاب الإسلام علانيةً فقد نكَث يمينه وطعن في ديننا؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه يُعاقب على ذلك ويُؤَدَّبُ عليه، فعلم أنه لم يُعاهد عليه؛ لأنا لو عاهدناه عليه ثم فَعَلَه لم تجز عقوبته عليه، وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يطعن في ديننا ثم طعن في ديننا فقد نكث في [يمينه] من بعد عهده وطعن في دينِنا، فيجب قتله بنص الآية، وهذه دلالةٌ قويةٌ حسنة؛ لأن المنازع يُسَلّم لنا أنه ممنوعٌ من ذلك بالعهد الذي بيننا وبينه، لكن يقول: ليس كلُّ ما منع منه نقض عهده كإظهار الخمر والخنزير ونحو ذلك، فنقول: قد وجد منه شيئان: [فِعلُ] ما منع منه العهد، وطعنٌ في الدين، بخلاف أولئك؛ فإنه لم يوجدْ منهم إلا فعل ما هم ممنوعون منه بالعهد فقط، والقرآنُ يوجِبُ قتل من نكث يمينه من بعد عهده وطَعَنَ في الدين، ولا يمكن أن يقال: "لم ينكث"؛ لأن النكث هو مخالفةُ العهد، فمتى خالفوا شيئاً مما صُولحوا عليه فهو نَكْثٌ، مأخوذٌ من نكث الحبل وهو نَقْضُ قُوَاه، ونَكْثُ الحبل يحصل بنقض قوةٍ واحدةٍ، كما يحصل/ بنقض جميع القُوَى، لكن قد يبقى من قُوَاه ما يستمسك الحبلُ به، وقد يَهِن بالكلية، وهذه المخالفة من المعاهَدِ قد تُبْطِلْ العهد بالكلية حتى تجعله حربياً، وقد شَعِث العهد، حتى تبيح عقوبتهم، كما أن نقض [بعض] الشروط في البيع والنكاح ونحوهما قد تُبْطل البيع بالكلية كما لو وصفه بأنه فَرَسٌ فظهر بعيراً، وقد يبيح الفسخَ كالإخلال بالرهن والضَّمِين، هذا عند من يفرق في المخالفة، وأما من قال: "ينتقضُ العهدُ بجميع المخالفات" فالأمر ظاهرٌ على قوله، وعلى التقديرين قد اقتضى العقدُ أن لا يُظْهِرُوا شيئاً من عَيْب ديننا، وأنهم متى أظهروه فقد نكثوا وطعنوا في الدين، فيدخلون في عموم الآية لفظاً ومعنى، ومثلُ هذا العموم يبلغ درجة النصِّ.

بم استحقوا إمامة الكفر

الوجه الثالث: أنه سَمَّاهم أئمة الكفر لطعنهم في الدين، وأوقع الظاهر موقع المضمر لأن قوله: ?أَئِمَّةَ الكُفْرِ? إما أن يُعْنَى به الذين نكثوا وطعنوا، أو بعضهم، والثاني لا يجوز؛ لأن الفعل الموجب للقتال صدر من جميعهم، فلا يجوز تخصيص بعضهم بالجزاءِ؛ إذ العلة يجب طَرْدُها إلا لمانع ولا مانع، ولأنه عَلَّل ذلك ثانياً بأنهم لا أيمان لهم، وذلك يشمل جميعَ الناكثين الطاعنين، ولأن النَّكْث والطعن وَصْفٌ مشتقٌ مناسبٌ لوجوب القتال، وقد رُتِّبَ عليه بحرف الفاء ترتيب الجزاء على شرطه، وذلك نصٌّ في أن ذلك الفعلَ هو الموجب الثاني؛ فثبت أنه عنى الجميع، فيلزم أن الجميع أئمةُ كفرٍ، وإمامُ الكفر هو الداعي إليه المُتَّبَعُ فيه، وإنما صار إماماً في الكفرِ لأجلِ الطعن،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير