تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنَّ مجرَّد النكث لا يوجب ذلك، وهو مناسب؛ لأن الطاعن في الدين يعيبه ويذمه ويدعو إلى خلافه، وهذا شأن الإمام، فثبت أنَّ كلَّ طاعنٍ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فإذا طعن الذميٌّ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فيجب قتالُه لقوله تعالى: ?فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ? ولا يمين له؛ لأنه عاهَدَنَا على أن لا يظهر عَيْبَ الدين هنا وخَالَفَ، واليمين هنا المرادُ بها: العهودُ، لا القَسَم بالله، فيما ذكره المفسرون، وهو كذلك؛ فإنَّ النبي ? لم يقاسمهم بالله عام الحُدَيْبية، وإنما عَاقَدهم عقداً، ونُسْخَةُ الكتاب معروفةٌ ليس فيها قَسَمٌ، وهذا لأنَّ اليمين [*يقال: إنما سُمِّيت بذلك لأنَّ المعاهِدَيْنِ يمدُّ كلٌّ منهما يمينه إلى الآخر، ثم غَلَبَت حتى صار مجرَّدُ الكلام بالعهد يُسمى يميناً، ويقال: سُميت يميناً لأن اليمين هي القوةُ والشدةُ، كما قال الله تعالى: ?لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِيْن? فلما كان الحلف معقوداً مشدَّداً سُمي يميناً؛ فاسمُ اليمين جامعٌ للعقد الذي بين العبد وبين ربِّه وإن كان نذراً، ومنه قول النبيِّ ?: "النَّذْرُ حَلْفَة" وقوله: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِيْنِ" وقولُ جماعةٍ من الصحابة للذي نَذَرَ نَذْرَ اللَّجَاجِ والغضبِ: "كَفِّرْ يَمِينَكَ" وللعهدِ الذي بين المخْلُوقين، ومنه قوله تعالى: ?وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا? والنهي عن نقض العهود وإن لم يكنْ فيها قسمٌ، وقال تعالى: ?وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ? وإنما لفظُ العهدِ "بَايَعْنَاكَ عَلَى أنْ لاَ نَفِرَّ" ليس فيه قَسَمٌ، وقد سَمَّاهم معاهدين لله، وقال تعالى: ?وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأرْحَامَ? قالوا معناه: يتعاهدون ويتعاقدون لأنَّ كلَّ واحد من المعاهدين إنما عاهده بأمانة الله وكفالته وشهادته؛ فثبت أنَّ كلَّ مَن طعن في ديننا بعد أن عاهَدْناه عهداً يقتضي أنْ لا يفعل ذلك فهو إمامٌ في الكفر لا يَمِينَ له، فيجب قتله بنصِّ الآيةِ، وبهذا يظهر الفرقُ بينه وبين الناكِثِ الذي ليس بإمامٍ، وهو مَن خالف بفعل شيءٍ مما صولحوا عليه من غير الطعن في الدِّينِ.

سب الرسول يوجب نقض عهد الذمي

الوجه الرابع: أنه قال تعالى: ?ألاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُم وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرّةٍ?؛ فجعل هَمّهم بإخراجِ الرسولِ من المحضِّضَات على قتالهم، وما ذاك إلا لما فيه من الأذَى، وسَبُّه أغلظ من الهم بإخراجه، بدليل أنه ? عَفَا عَامَ الفَتْحِ عن الذين هَمُّوا بإخْرَاجِهِ، ولم يَعْفُ عمن سَبَّه؛ فالذمِّي إذا أظهر سَبَّه فقد نَكَث عهده، وفَعَل ما هو أعظم من الهمِّ بإخراج الرسولِ، وبَدَأ بالأذى؛ فيجبُ قتالُه.

يجب قتال الناكثين للعهد

الوجه الخامس: قوله تعالى: ?قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يشاءُ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? أمَرَ سبحانه بقتالِ الناكثين الطاعنين في الدِّين، وضَمنَ لنا – إن فعلنا ذلك- أن يُعَذِّبهم بأيدينا ويخزيهم، وينصرنا عليهم، ويَشْفِ صدور المؤمنين الذين تأذَّوا من نَقْضهم وطعنهم، وأن يُذهِبَ غيظ قلوبهم؛ لأنه رتَّبَ ذلك على قتالِنا ترتيبَ الجزاء على الشرط، والتقديرُ: إنْ تُقَاتلوهم يَكُنْ هذا كلّه؛ فدلَّ على أن الناكث الطاعن مستحق هذا كله، وإلاَّ فالكفارُ يُدَالُونَ علينا المرة و نُدَال عليهم الأخرَى، وإن كانت العاقبةُ للمتقين، وهذا تصديق ما جاء في الحديث: "ما نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلاَّ أُدِيلَ عَلَيْهِمُ الْْعَدُوُّ" والتعذيبُ بأيدينا هو القتلُ؛ فيكون الناكث الطاعنُ مستحقاً للقتل، السابُّ لرسول اللهِ ? ناكثٌ طاعنٌ كما تَقَدَّم؛ فيستحقُّ القَتْلَ، وإنما ذكر سبحانه النصر عليهم وأنه يتوبُ من بعد ذلك على من يشاء؛ لأنَّ الكلام في قتال الطائفة الممتنعة، فأما الواحدُ المستحق للقتل فلا ينقسم حتى يقال فيه: "يعذبه اللهُ ويتوب اللهُ من بعد ذلك على من يشاء" على أنَّ قوله: ?مَنْ يَشَاءُ? يجوزُ أن يكون عائداً إلى مَن يطعن بنفسه وإنما أقَرَّ الطاعن؛ فسُميت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير