تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفئة طاعنه لذلك، وعند التمييز فبعضُهم رِدْءٌ وبعضهم مباشر، ولا يلزم من التوبة على الرِّدْءِ التوبةُ على المباشر، ألا ترى أن النبي ? أهدَرَ عام الفتح دَمَ الذين باشروا الهجاءَ، ولم يُهدِرْ دَمَ الذين سمعوه، وأهَدَرَ دَمَ بني بكرٍ، ولم يُهْدِرْ دَمَ الذين أعارُوهم السلاحَ.

الجهاد باب من أبواب الله تعالى

السادس: أنَّ قولَه تعالى: ?وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوِبهِمْ? دليلٌ على أنَّ شفاءَ الصدورِ من ألم النكثِ والطعنِ، وذهابَ الغيظِ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك أمْرٌ مقصودٌ للشارعِ مطلوبُ الحصولِ، وأنَّ ذلك يحصلُ إذا جَاهَدُوا كما جاء في الحديث المرفوع: "عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الله يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنِ النُّفُوسِ الهَمَّ وَالغَمَّ" ولا ريب أنَّ من أظهر سَبَّ الرسول ? من أهل الذِّمَّةِ وشتمه فإنه يَغِيظُ المؤمنين ويؤلمهم أكثر مما لو سفَكَ دماء بعضهم وأخَذَ أموالهم؛ فإنَّ هذا يُثِيرُ الغضبَ لله، والحَمِيَّةَ له ولرسولهِ، وهذا القدر لا يُهَيِّجُ في قلب المؤمن غيظاً أعظم منه، بلِ المؤمن المسدَّدُ لا يغضبُ هذا الغَضَبَ إلا لله، والشارعُ يطلبُ شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظِ*] / قلوبهم، وهذا إنما يحصل بِقَتْل السابِّ لأوْجُهٍ:

ذهاب الغيظ يحصل بقتل الساب

أحدها: أن تَعْزِيره وتأديبه يُذْهب غيظ قلوبهم إذا شتم واحداً من المسلمين أو فعل نحو ذلك، فلو أذهب غيظ قلوبهم إذا شتم الرسول لكان غيظهم من شَتْمه مثل غيظهم مِن شَتْم واحدٍ منهم، وهذا باطل.

الثاني: أن شَتْمه أعظمُ عندهم من أن يُؤخذ بعض دمائهم، ثم لو قُتل واحداً منهم لم يَشْفِ صدورهم إلا قتله، فأنْ لا تُشْفَى صُدُورُهُم إلا بقتل السابِّ أولى وأحْرَى.

الثالث: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ قتالهم هو السبب في حصول الشِّفاء، والأصْلُ عدمُ سبب آخر يحصِّله؛ فيجب أن يكون القتلُ والقتال هو الشافي لصدور المؤمنين من مثل هذا.

الرابع: أنَّ النبيَّ ? لما فُتحت مكةُ وأراد أن يشفي صدورَ خُزَاعة – وهم القوم المؤمنون – من بني بكرٍ الذين قاتلوهم مَكَّنهم منهم نصفَ النهار أو أكثر مع أمانِهِ لسائرِ الناسِ؛ فلو كان شفاء صدورهم وذهابُ غيظِ قلوبهم يحصلُ بدون القتل للذين نكثوا وطعنوا لما فعل ذلك مع أمانِهِ للناسِ.

الدليل الرابع من القرآن

أذى النبي محادة لله

الموضع الرابع: قولُه سبحانه: ?أَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَنْ يُحَادِد اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلكَ الخِزْيُ العَظِيم? فإنه يدلُّ على أنَّ أذى رسول الله ? مُحَادَّةٌ لله ولرسوله؛ لأنه قال هذهِ الآيةَ [عَقِبَ] قوله تعالى: ?وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ?الآية. ثم قال: ?يَحلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ* أَلمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَه? فلو لم يكونوا بهذا الأذى مُحَادِّين لم يحسن أن يوعَدُوا بأنَّ للمحاد نار جهنَّم؛ لأنه يمكن حينئذٍ أن يقال: قد علموا أن للمحاد نارَ جهنَّم؛ لكنهم لم يحادّوا، وإنما آذَوْا، فلا يكون في الآية وعيدٌ لهم؛ فعُلِم أنَّ هذا الفعل لابُدَّ أن يندرج في عموم المحادَّة؛ ليكون وعيدُ المحادِّ وعيداً له ويلتئمُ الكلامُ.

ويدلُّ على ذلك أيضاً ما روى الحاكمُ "صحيحه" بإسناد صحيح عن ابن عباس أنَّ رسول اللهِ ? كانَ في ظِلِّ حُجْرَةٍ من حُجرِهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المسْلِمينَ، فَقَالَ: "إنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إنْسَانٌ يَنْظُر إليكم بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، فَإذَا أَتَاكُمْ فَلا تُكَلِّمُوهُ"،/ فَجَاء رَجُلٌ أزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ ?، فَقَالَ: "عَلامَ تَشْتُمُني أنْتَ وَفُلانٌ وَفُلانٌ"، فانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا بِاللهِ وَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ" فأنزل اللهُ تعالى: ?يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ? ثم قال بعدَ ذلك: ?إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ? فعُلم أنَّ هذا داخلٌ في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير