تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً. فإنها/ إذا كانت بمعنى المشاقَّة فإن الله سبحانه قال: ?فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ* ذَلِكَ بأنَّهُمْ شاقُّوا اللهَ ورَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِق اللهَ وَرَسُولَهُ فإنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ? فأمر بقتلهم لأجل مشاقَّتهم ومحادَّتهم، فكل من حادَّ وشاقَّ فيجب أن يُفعل به ذلك؛ لوجود العلة.

وأيضاً، فإنه تعالى قال: ?وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمّ في الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شاقُّوا اللهَ ورَسُولهُ?، والتعذيبُ هنا – واللهُ أعلم -: القتلُ؛ لأنهم قد عُذِّبوا بما دون ذلك من الإجلاءِ وأخْذِ الأموال، فيجب تعذيب من شاقَّ الله ورسوله، ومَن أظهر المحادَّةَ فقد شاقَّ الله ورسوله، بخلاف مَن كتمها، فإنه ليس بمحاد ولا مشاق.

وهذه الطريقة أقوَى في الدلالة، يقال: هو محاد، وإن لم يكن مشاقاً، ولهذا جعل جزاء المحاد مطلقاً أن يكون مكبُوتاً كما كُبِتَ مَن قَبْله، وأن يكون في الأذلين، وجعل جزاء المشاق القتل والتعذيب في الدنيا، ولن يكون مكبوتاً كما كُبِتَ مَن قبله في الأذلين إلا إذا لم يمكنه إظهار محادَّته، فعلى هذا تكون المحادة أعم، ولهذا أهلُ التفسير في قوله تعالى: ?لا تَجِدُ قَوماً يُؤْمنُونَ باللهِ واليومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَه? الآية: أنها نزلت فيمن قَتَل من المسلمين أقاربَه في الجهاد، و فيمن أراد أن يقتل لمن تعرض لرسول الله ? بالأذى من كافر ومنافق قريب له، فعُلِم أن المحاد يعمُّ المشاق وغيره.

ويدل على ذلك أنه قال سبحانه: ?أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ تَوَلَّوا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَليْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنهُمْ? الآيات، إلى قوله: ?لاَ تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَه? وإنما نزلت في المنافقين الذين تولَّوُا اليهودَ المغضوبَ عليهم، وكان أولئك اليهودُ أهلَ عهدٍ من النبي ?، ثم إن الله سبحانه بَيَّن أن المؤمنين لا يُوَادُّونَ من حادَّ الله ورسوله، فلابد أن يدخل في ذلك عدم المودَّة لليهود وإن كانوا أهل ذمة؛ لأنه سبب النزول، وذلك يقتضي أن أهل الكتاب محادون لله ورسوله إن كانوا معاهِدين.

ويدلُّ على ذلك أن الله قطع المُوَالاة بين المسلم والكافر وإن كان له عهد وذِمَّه، وعلى هذا التقدير فيقال:/ عُوهِدُوا على أن لا يُظْهروا المحادة ولا يُعلنوا بها بالإجماع كما تقدم وكما سيأتي، فإذا أَظهروا صاروا محادِّين لا عَهْدَ لهم، مُظْهِرِينَ للمحادة، وهؤلاء مُشاقُّونَ، فيستحقون خِزْيَ الدنيا من القتل ونحوِه وعذابَ الآخرة.

لا عهد لمن يحادّ الله

فإن قيل: إذا كان كل يهودي محاداً لله ورسوله فمن المعلوم أن العهد يثبتُ لهم مع التهود، وذلك يَنْقُض ما تقدم من أن المحادَّ لا عهد له.

قيل: من سلك هذه الطريقة قال: المحاد لا عهد له على إظهار المحادة، فأما إذا لم يُظهر لنا المحادة فقد أعطيناه العهد، وقولُه تعالى: ?ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ (يقتضي أن الذلة تلزمه، فلا تزول إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وحبلُ المسلمين معه على أن لا يُظهر المحادة بالاتفاق؛ فليس معه حبلٌ مطلق، بل حبل مقيد، فهذا الحبل لا يمنعه أن يكون أذلَّ إذا فعل ما لم يُعَاهَدْ عليه، أو يقول صاحبُ هذا المسلك: الذِّلَّةُ لازمة لهم بكل حال، كما أُطلقت في سورة البقرة، وقوله: ?ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ (يجوز أن يكون تفسيراً للذلة، أي: ضُربت عليهم أنهم أينما ثُقِفُوا أُخذوا وقُتِّلوا إلا بحبلٍ من [الله وحبل من] الناس، فالحبلُ لا يرفع الذلة، وإنما يرفع بعضَ موجِباتها وهو القتل، فإن مَن كان لا يُعْصَم دَمُه إلا بعهدٍ فهو ذليل وإن عصم دمه بالعهد، لكن على هذا التقدير تضعف الدلالة الأولى من المحادة، والطريقة الأولى أجود كما تقدم، وفي زيادة تقريرها طول.

الدليل الخامس من القرآن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير