الموضع الخامس: قوله سبحانه:) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُم اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة (، وهذه توجِب قتل مَن آذى اللهَ ورسوله كما سيأتي إن شاء الله تقريره، والعهد لا يَعْصِمُ من ذلك؛ لأنا لم نعاهدهم على أن يؤذوا الله ورسوله.
ويوضح ذلك قول النبي e: " مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ فَإنَّه قَدْ آذى اللهَ وَرَسُولَه؟ " فندَبَ المسلمين إلى يهودي كان معاهداً لأجل أنه آذى الله ورسولَه، فدلَّ ذلك على أنه لا يوصَفُ كل ذمي بأنه يؤذي الله ورسولَه، وإلاَّ لم يكن فَرْقٌ بينه وبين غيره، ولا يصح أن يقال: اليهود ملعونون في الدنيا والآخرة مع إقرارهم على ما يوجب ذلك، لأنا لم نقرَّهُم على إظهار أذَى الله ورسوله، وإنما أقْرَرْنَاهم على أن يفعلوا بينهم ما هو من دينهم.
فصل
الأدلة من القرآن الدالة على كفر الشاتم وقتله
/وأما الآيات الدَّالة على كفر الشاتم وقتله، أو على أحدهما، إذا لم يكن مُعَاهِداً – إن كان مظهراً للإسلام – فكثيرة، مع أن هذا مُجْمَعٌ عليه كما تقدم حكاية الإجماع عن غير واحد.
الدليل الأول
منها قوله تعالى:) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ (إلى قوله:) والذينَ يُؤْذونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (إلى قوله:) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنْهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ (، فعُلم أن إيذاء رسول الله محادَّة لله ولرسوله؛ لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذا أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودل ذلك على أن الإيذاء و المحادّ َة كفر؛ لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها، ولم يقل: "هي جزاؤه"، وبين الكلامين فَرْق، بل المحادَّة هي المعاداة والمشاقَّة، وذلك كفر ومحاربة؛ فهو أغْلَظُ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله e كافراً، عدوّاً للهِ ورسوله، محارباً لله ورسوله، لأن المحادَّة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كلُّ واحد منهما في حد كما قيل: "المشاقَّة: أن يصير كل منهما في شق، والمعاداة: أن يصير كل منهما في عِدْوةٍ".
وفي الحديث أنَّ رجلاً كان يسبُّ النَّبيَّ e فقال: "مَنْ يَكْفِيني عَدُوِّي؟ "، وهذا ظاهر قد تقدم تقريره، وحينئذٍ فيكون كافراً حَلال الدم؛ لقوله تعالى:) إنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ في الأَذَلِّين?، ولو كان مؤمناً معصوماً لم يكن أذلَّ؛ لقوله تعالى: ?وَللهِ العزةُ ولرسُولهِ وللمؤمِنيْنَ? وقوله: ?كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ?، والمؤمن لا يُكبت كما كُبت مكذبو الرسل قط، ولأنه قد قال تعالى:) لاَ تجدُ قوماً يُؤمنونَ بِاللهِ واليوْمِ الآخرِ يُوآدُّونَ منَ حآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ? الآية، فإذا كان من يُوَادّ المحادَّ ليس بمؤمن فكيف بالمحاد نفسه؟ وقد قيل: إن من سبب نزولها أن أبا قُحَافَةَ شتم النبي e فأراد الصديق قتله، وأن ابن أُبَيّ تنقَّصَ النبي e، فاستأذن ابنُه النبيَّ e في قتله لذلك، فثبت أن المحادَّ كافرٌ حلالُ الدم.
لا موالاة بين المسلمين و المحادِّين لله ورسوله
وأيضاً، فقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين وبين المحادِّين لله ورسوله والمعادين لله ورسوله، فقال تعالى: ?لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ منَ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَه ولوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ? الآية. وقال: ?يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوّي/ وَعَدوَّكُمْ أَوْلَيَاءَ تُلْقُونَ إليهِمْ بالْموَدَّةِ? فعُلم أنهم ليسوا من المؤمنين.
وأيضاً، فإنه قال سبحانه: ?وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذبَهُمْ في الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار* ذَلِكَ بأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَآقِّ اللهَ فإنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ?.
فجعل [سبب] استحقاقهم العذابَ في الدنيا ولعذاب النار في الآخرة هو مُشَاقَّةَ اللهَ ورسوله، والمؤذي لرسول الله e مُشَاقٌ للهِ ورسوله كما تقدم، والعذاب هنا هو الإهلاك بعذابٍ من عنده، أو بأيدينا، وإلا فقد أصابهم ما دون ذلك من ذَهَاب الأموال وفراق الأوطان.
¥